للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَدِّي حُكْمَ النَّصِّ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ثَمَرَةَ التَّعْلِيلِ التَّعْدِيَةُ لَا غَيْرُ فَأَمَّا التَّغْيِيرُ فَلَا فَإِذَا كَانَ التَّعْلِيلُ مُغَيِّرًا كَانَ بَاطِلًا

ــ

[كشف الأسرار]

لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى أَيْضًا إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى الْحِكْمَةِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ لَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِ، وَالرَّأْيُ لَا يُوجِبُ عِلْمًا بِالِاتِّفَاقِ فَلَا تَحْصُلُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُفِيدُ ظَنًّا بِحِكْمَةِ الْحُكْمِ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ الظَّنَّ إلَّا لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ، وَالْقَاصِرَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَمَلٌ فَوَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ يُوجِبُ الْعَمَلَ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَاصِرَةَ تُعَارِضُ الْمُتَعَدِّيَةَ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ مُرَجَّحٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَةَ إذَا ظَهَرَتْ فِي مَوْضِعِ الْقَاصِرَةِ، وَظَهَرَ تَأْثِيرُهَا فَهِيَ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا دُونَ الْقَاصِرَةِ وَعِنْدَكُمْ الْمُتَعَدِّيَةُ رَاجِحَةٌ عَلَى الْقَاصِرَةِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ فَائِدَةً، وَلِكَوْنِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهَا عَلَى مَا نَصَّ فِي الْقَوَاطِعِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ تَرَجُّحُ الْمُتَعَدِّيَةِ عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْقَاصِرَةُ دَافِعَةً لِلْمُتَعَدِّيَةِ بِوَجْهٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا فَائِدَةٌ فَكَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ الدَّوْرِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ تَوَقُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّحَّةِ وَالتَّعَدِّيَةِ تَوَقُّفَ تَقَدُّمٍ أَعْنِي مَشْرُوطًا بِتَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ تَوَقُّفُ مَعِيَّةٍ كَتَوَقُّفِ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَكُونُ دَوْرًا.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ) أَيْ مِمَّا تَضَمَّنَهُ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَدِّي حُكْمَ النَّصِّ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ بِالتَّعْلِيلِ مِثْلَ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ تَغَيُّرٌ فِي الْفَرْعِ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ أَوْ سُقُوطِ قَيْدٍ، وَنَعْنِي بِهِ الْمِثْلِيَّةَ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ مِنْ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهَا لَا فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَهُ قَالَ الشَّيْخُ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ: وَهَذَا فَصْلٌ دَقِيقٌ يَجِبُ تَحَفُّظُهُ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُقَايِسِينَ غَيَّرُوا حُكْمَ النَّصِّ وَلَمْ يَعُدُّوهُ إلَى فَرْعِهِ بِعَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ قَوْلُنَا: بُطْلَانُ السَّلَمِ الْحَالِّ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ إلَيْهِ لَمَّا أَوْجَبَ تَغْيِيرَهُ فِي الْفَرْعِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَّزَ السَّلَم الْحَالَّ فِي الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ» وَكَانَ اشْتِرَاطُهُ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا وَمُعَلَّلًا بِأَنَّ السَّلَمَ الْمُؤَجَّلَ لَمَّا جَازَ مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ فِيهِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، وَوُجُوبُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِّ، وَالْأَجَلُ يُخَالِفُهُ جَازَ السَّلَمُ الْحَالُّ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ حَالًّا تَقْرِيرٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً وَمَعْنَى التَّرْخِيصِ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: سُقُوطُ مُؤْنَةِ إحْضَارِ الْمَبِيعِ وإراءته لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلْحَرَجِ الَّذِي يَلْحَقُ الْبَاعَةَ بِإِحْضَارِهِ مَكَانَ الْعَقْدِ أَوْ بِتَأَخُّرِ الْعَقْدِ إلَى حُضُورِ الْمَبِيعِ وَالثَّانِي دَفْعُ حَاجَةِ الْإِفْلَاسِ.

وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِ الرَّاوِي وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ إشَارَةً إلَيْهِ فَإِنَّ عِنْدَ يَدُلُّ عَلَى الْحَضْرَةِ لَا عَلَى الْمِلْكِ وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ أَكْرَارٌ مِنْ حِنْطَةٍ لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ سَلَمًا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ دَفْعَ حَاجَةِ الْإِفْلَاسِ لَمَا جَازَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ لَمَّا جَازَ مُؤَجَّلًا بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي؛ لَأَنْ يَجُوزَ حَالًّا بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَانَ أَوْلَى وَيَكُونُ الْتِزَامُهُ حَالًّا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ دَفْعُ حَاجَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>