للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا لَا يَتَعَدَّى لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِمَا يَتَعَدَّى فَيُبْطِلُ هَذِهِ الْفَائِدَةَ

ــ

[كشف الأسرار]

فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ يُعْتَبَرُ بِالْأَصْلِ فَأَمَّا الْأَصْلُ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَرْعِ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ بِحَالٍ وَأَمَّا صِحَّةُ التَّعْدِيَةِ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْعِ مُضَافٌ إلَى الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ التَّعْدِيَةِ، وَهُوَ اشْتِرَاكُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ، وَهَذَا كَتَوَقُّفِ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ إذَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ، فَإِنَّ التَّوَقُّفَ ثَابِتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاقِصَةِ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْخَبَرِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْمَنْصُوصَةِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا نَصَّ عَلَيْهَا أَفَادَنَا بِذَلِكَ عِلْمًا بِأَنَّهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا فَائِدَةَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ بِالرَّأْيِ أَيْضًا بَلْ الْحُكْمُ مُضَافٌ إلَى الْعِلَّةِ ابْتِدَاءً بِالنَّصِّ فَكَانَتْ صَحِيحَةً وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ لُزُومِ الْمُنَاقَضَةِ فَوَهَمٌ؛ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ، وَلَا حُكْمَ مَعَهَا لِفَسَادٍ فِيهَا أَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ فَلَا يَكُونُ مُنَاقَضَةً، وَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارَ عِنْدَنَا لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ مَعَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فَوْقَهُ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ لَيْسَ بِسَبَبٍ، وَأَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَا مَحْجُوبَيْنِ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ نَصِيبِهَا بِالْأُبُوَّةِ لَمْ يُخْرِجْ الْأُخُوَّةَ مِنْ كَوْنِهَا سَبَبًا لِلْحَجْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ قُطِعَ الْحُكْمُ عَنْ الْعِلَّةِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ بَلْ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْعِ كَمَا بَيَّنَّا فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا إلَيْهِ أَشَارَ أَبُو الْيُسْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ بَلْ لَهَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا: إثْبَاتُ اخْتِصَاصِ النَّصِّ بِالْحُكْمِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَشْتَغِلُ الْمُجْتَهِدُ بِالتَّعْلِيلِ لِلتَّعْدِيَةِ إلَى الْفَرْعِ بَعْدَمَا عَرَفَ اخْتِصَاصَ النَّصِّ بِهِ

وَثَانِيَتُهَا: مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ الْمُمِيلَةِ لِلْقُلُوبِ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالْقَبُولِ بِالطَّبْعِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى التَّصْدِيقِ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ إلَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ أَمْيَلُ مِنْهَا إلَى قَهْرِ التَّحَكُّمِ وَمَرَارَةِ التَّعَبُّدِ وَثَالِثُهَا الْمَنْعُ مِنْ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ عِنْدَ ظُهُورِ عِلَّةٍ أُخْرَى مُعْتَدِيَةٍ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْمُعْتَدِيَةِ بِالْعِلِّيَّةِ، وَعَلَى تَرَجُّحِهَا عَلَى الْقَاصِرَةِ، وَلَوْلَا الْقَاصِرَةُ لَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَلِيلٍ مُرَجِّحٍ، وَهِيَ مِنْ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْفَوَائِدُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا قُلْنَا: حُصُولُ هَذِهِ الْفَوَائِدِ بِهَا مَمْنُوعٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَحْصُلُ بِتَرْكِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ التَّعْلِيلِ؛ إذْ النَّصُّ لَا يَدُلُّ بِصِيغَتِهِ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَمَّمُ بِالتَّعْلِيلِ فَإِذَا تَرَكَ التَّعْلِيلَ يَبْقَى عَلَى الِاخْتِصَاصِ عَلَى مَا كَانَ ضَرُورَةً فَلَمْ يَحْصُلْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا لَا يَتَعَدَّى لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِمَا يَتَعَدَّى؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْأَصْلِ وَصْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَعَدَّى إلَى فُرُوعٍ، وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ تَعْدِيَةً مِنْ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ وَصْفَانِ يَتَعَدَّى أَحَدُهُمَا، وَلَا يَتَعَدَّى الْآخَرُ فَيَجِبُ التَّعْلِيلُ حِينَئِذٍ بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاعْتِبَارِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَدِّي فَثَبَتَ أَنَّ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لَمْ يَثْبُتْ اخْتِصَاصٌ أَصْلًا وَكَيْفَ يَثْبُتُ وَبِالْإِجْمَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَدَمُ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَوُجُودُ الْقَاصِرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>