للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا لَا يُوجِبُ عِلْمًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُوجِبُ عَمَلًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ فَوْقَ التَّعْلِيلِ فَلَا يَصِحُّ قَطْعُهُ عَنْهُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّعْلِيلِ حُكْمٌ إلَّا التَّعْدِيَةُ إلَى الْفُرُوعِ، فَإِنْ قَالَ: إنَّ حُكْمَ النَّصِّ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يَصْلُحُ لِتَغْيِيرِ حُكْمِ النَّصِّ، فَكَيْفَ لِإِبْطَالِهِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا لَا يَتَعَدَّى يُفِيدُ اخْتِصَاصَ النَّصِّ بِهِ قِيلَ لَهُ: هَذَا يَحْصُلُ بِتَرْكِ التَّعْلِيلِ

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ لِمَا مَرَّ مِنْ الدَّلَائِلِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ أَيْ إثْبَاتُ الْحُكْمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ، أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ كَسَائِرِ الْحُجَجِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يُعَلَّلُ الْأَصْلُ بِهِ قِيَامُ دَلَالَةِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَوْصَافِ مِنْ التَّأْثِيرِ أَوْ الْإِخَالَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَتَعَدَّى عَنْ الْمَنْصُوصِ إلَى فَرْعٍ آخَرَ وَبَعْدَمَا وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ عَنْ التَّعْلِيلِ بِهِ إلَّا بِمَانِعٍ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ الْمَنْصُوصَةِ إنَّمَا الْمَانِعُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً كَمَا فِي النَّصِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَبِأَنَّ صِحَّةَ الْعِلَّةِ لَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى تَعَدِّيهَا لَمَا كَانَ تَعَدِّيهَا مَوْقُوفًا عَلَى صِحَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَوَقُّفُ الصِّحَّةِ عَلَى التَّعَدِّي، وَتَوَقُّفُ التَّعَدِّي عَلَى الصِّحَّةِ، وَهُوَ دَوْرٌ، وَالتَّعَدِّي مُتَوَقِّفٌ عَلَى الصِّحَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَى التَّعَدِّي.

وَتَمَسَّكَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ عِلْمًا أَوْ عَمَلًا إذْ لَوْ خَلَا عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَاشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ وَهَذَا أَيْ التَّعْلِيلُ لَا يُوجِبُ عِلْمًا أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُوجِبُ عَمَلًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ فَوْقُ التَّعْلِيلِ فَلَا يَصِحُّ قَطْعُ الْحُكْمِ، وَهُوَ إيجَابُ الْعَمَلِ عَنْ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ أَوْ الْعُدُولِ عَنْ أَقْوَى الْحُجَّتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى أَضْعَفِهِمَا مِمَّا يَرُدُّهُ الْعَقْلُ فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّعْلِيلِ أَثَرٌ إلَّا فِي الْفَرْعِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّعَدِّي فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّعْلِيلِ حُكْمٌ سِوَى التَّعْدِيَةِ إلَى الْفُرُوعِ، فَإِذَا خَلَا التَّعْلِيلُ عَنْهُ كَانَ بَاطِلًا (فَإِنْ قِيلَ) : الْحُكْمُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ مُضَافٌ إلَى الْعِلَّةِ عِنْدِي فِي الْأَصْلِ كَمَا فِي الْفَرْعِ لَا إلَى النَّصِّ فَكَانَتْ الْعِلَّةُ دَلِيلَ الْحُكْمِ وَالنَّصُّ دَلِيلَ الدَّلِيلِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ التَّعْدِيَةُ إلَى الْفَرْعِ؛ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ: هَذَا الْحُكْمُ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِالْعِلَّةِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَأَدَّى إلَى الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ دَلِيلُ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُ النَّصِّ مُتَعَلِّقًا بِهَا لَا تَكُونُ عِلَّةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّعْلِيلُ مُبَيِّنًا أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ هُوَ الْعِلَّةُ فَيَكُونُ مُفِيدًا كَمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً (قُلْنَا) : إضَافَةُ الْحُكْمِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَى الْعِلَّةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ التَّعْلِيلِ كَانَ مُضَافًا إلَى النَّصِّ فَلَوْ أُضِيفَ بَعْدَ التَّعْلِيلِ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ التَّعْلِيلُ مُبْطِلًا لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ، وَالتَّعْلِيلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُغَيِّرًا لِحُكْمِ النَّصِّ بَاطِلٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُبْطِلًا لَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا جُعِلَتْ مُوجِبَةً عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَوْ جُعِلَتْ مُوجِبَةً فِي مَوْرِدِ النَّصِّ لَجُعِلَتْ عِلَّةً فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ عِلَّةً فِيمَا لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّرْعُ عِلَّةً فِيهِ

وَقَوْلُهُ: الْعِلَّةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ فِي الْفَرْعِ لَا فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ الْأَصْلَ بِالْفَرْعِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُضَافٌ إلَى الْعِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>