للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْعَبْدُ أَصْلًا فِي حُكْمِ الْعُقْرِ الَّذِي هُوَ مُحَكَّمٌ وَالْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِيمَا هُوَ مِنْ الزَّوَائِدِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ وَفِي حُكْمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ

ــ

[كشف الأسرار]

وَكَوْنِهِ أَهْلًا لِمِلْكِ الْيَدِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِلتَّصَرُّفِ كَانَ الْعَبْدُ أَصْلًا فِي حُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مُحَكَّمٌ أَيْ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ مَقْصُودٌ مِنْهُ وَهُوَ مِنْهُ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْمَوْلَى يَخْلُفُ الْعَبْدَ فِيمَا هُوَ مِنْ الزَّوَائِدِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلتَّصَرُّفِ حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَقْصُودٌ أَصْلِيٌّ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْآخَرُ أَمْرٌ زَائِدٌ شُرِعَ وَسِيلَةٍ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالْعَبْدُ إنْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلثَّانِي فَهُوَ أَهْلٌ لِمَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْهُمَا وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ فَكَانَ فِي التَّصَرُّفِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ لَهُ وَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَشِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِإِفَادَتِهِ مِلْكَ الْيَدِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِمَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْيَدِ بِالتَّصَرُّفِ يَقَعُ لِلْعَبْدِ وَمِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلْمَوْلَى وَالْعَبْدُ مَعَ هَذَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ مَتَى دَارَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقَعَ لِغَيْرِهِ كَانَ وَاقِعًا لَهُ كَالْمُكَاتَبِ لَمَّا كَانَ كَسْبُهُ لِلسَّيِّدِ مِنْ وَجْهٍ وَلِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يُجْعَلْ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى بَلْ هُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَكَذَا هَذَا.

وَالثَّانِي أَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَا يَقَعُ لِلْمَوْلَى حُكْمًا لِلتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلْعَبْدِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ لَهُ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ تَصَرُّفِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ تَعَذَّرَ الْإِيقَاعُ لَهُ فَاسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى لَا بِالتَّصَرُّفِ وَلَكِنْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ لَا الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَيْنُ الْعَبْدِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ، الْمَوْلَى إنَّمَا يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ كَالْوَارِثِ مَعَ الْمُورَثِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إكْسَابَهُ بِسَبَبِ مِلْكِهِ فِي رَقَبَتِهِ لَا بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ.

وَإِلَى هَذَا الطَّرِيقِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَالْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِيمَا هُوَ مِنْ الزَّوَائِدِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ وَكَانَ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَاقِعًا لَهُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى ثُمَّ أَعْتَقَ لِسُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى.

كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ ثُمَّ أَعْتَقَ وَكَمَا لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ افْتَكَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ لِسُقُوطِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ هَاهُنَا عُلِمَ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ يَقَعُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِمَوْلَاهُ فَلَمَّا انْعَقَدَ التَّصَرُّفُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لِلْمَوْلَى لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَتَى وَقَعَ لِجِهَةٍ لَا يَنْفُذُ لِجِهَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَوَقَّفَ إذْ الْمِلْكُ وَاقِعٌ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَكَذَا فِي الرَّهْنِ يَكُونُ الْمِلْكُ فِي الثَّمَنِ لِلرَّاهِنِ فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُهُمَا عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ يَثْبُتُ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْإِذْنِ كَانَ مَمْنُوعًا عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبُ اسْتِيفَاءٌ فَإِذَا أَذِنَ فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فَكَانَ الْإِذْنُ فَكًّا لِلْحَجْرِ كَالْكِتَابَةِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ ثُمَّ فَكُّ الْحَجْرِ بِهَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْفَكِّ الْعَامِّ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ صَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ تَصَرُّفٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَذَا هَاهُنَا.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ) أَيْ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بَلْ الْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ غَيْرُ لَازِمٍ جَعَلْنَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ وَفِي حُكْمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ كَالْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَصِيلًا فِي نَفْسِ التَّصَرُّفِ وَثُبُوتِ مِلْكِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ حَتَّى وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى كَانَ هُوَ كَالْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى كَالْمُوَكِّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>