رسول من حرم أيضا، بأن يحضر أحدهم قرى الأضياف النازلين عنده، فلم ينتدب لذلك غير الشيخ سيديَّ.
ولما تضلع من علمه، شد الرحل إلى الشيخ المختار الكنتي بآزواد من مسيرة شهر، وأكثرها غامر. ثم وصل إليه، ولازمه ستة أشهر، ثم مات الشيخ المختار، فبقى عند ابنه سيدي محمد المعروف بالخليفة، لقيامه مقام أبيه، فلازمه عشرين سنة يخدمه فيها، حتى برع في معرفة الطريق، وعلم الأسرار، ثم رجع إلى بلاده، فنزل أوَّلا في تندغ، أصله القديم، فلم يكترثوا به، ثم رجع إلى قبيلته أولاد ابيير، فتلقوه بما هو أهله وأكرموه، واعترفوا بفضله، فلم تزل فضائله تبدو، حتى أذعنت
له الزوايا وحسَّان، وصار مثل الملك بينهم، فلا يعقب أمره. وكان أهلا لذلك، كرما وحلما وعلما، ولم تزل الدنيا تنثال عليه، ويفرقها في الناس، وقدم مُرَّاكش في أيام المولى عبد الرحمن، وأظنه كان متوجها للحج، فرجع بسبب المرض في الحجاز، ونال حظوة عظيمة من السلطان.
وحدثني الفاضل عبد الرحمن الجزولي، المعروف في مراكش بابن التلمود، وكان أبوه كاتبا للمولى عبد الرحمن: إنه لما قدم إلى مراكش، وجد المولى سيدي محمد بن المولى عبد الرحمن، ألكن لا يبين الكلام، فتفل في فمه، فانطلق بالكلام. وكان يبحث عن الكتب في مراكش ليشتريها. فإذا أراد أن يقضي الثمن، يسلم إلى البائع ما بقى عن المحاسبة بالغا ما بلغ.
وكانت العرب في أرض شنقيط، تجعله حرما آمنا، فيجتمع عنده أحدهم، بمن قتل أباه أو أخاه، فيجلسهما على مائدة واحدة. وإذا بلغ الجاني نواحي البلد الذي يقيم به، أمن على نفسه. ولم يمض عليه يوم، إلا وعنده آلاف من الناس، يطعمهم ويكسوهم، ويقضي جميع مآربهم، حتى لقي الله، ولا يسأله أحد حاجة إلا أعطاه إياها، بالغة ما بلغت.
وكان تلامذته يريدون أن يقللوا من ذلك، فما أمكنهم. وسأله يوما