للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به، حتى يتم نظره، ثم يرده ويأخذ غيره. فلما انتهى غرضه، دنا من تلاميذ الشيخ، وأصاخ لهم يكررون دروسهم، فجعل يناظرهم ويبين لهم الغامض. فلما كرَّ راجعا، صحبه منهم نحو أربعين، وتركوا شيخهم ولازموه هو.

ولما ظهر المختار بن بون، انتشر ذكره في ذلك الإقليم، فصارت الناس تنثال إليه من كل وجهة، وأرى الناس الطريق النافعة في التعليم، على إنه وجد العلوم في ذلك العصر حية، وكان من اجل قبائل الزوايا في العلم: قبيلة إديقب. خصوصاً في علم العربية، فاستجلبوه إليهم، ليأخذوا عنه علم النحو والكلام. وكان لا يجارى فيهما. فأقام عندهم برهة فوقع بينه وبينهم مناظرات آله إلى الشقاق، وكان

المناضل له حقيقة اكبر تلامذته محمد بن حبيب الله، المعروف بالمجيدري، ومولود بن أحمد الجواد. وصاروا كلهم يدا واحدة عليه. وكانوا إذا صاروا إلى الشعر يغلبونه، لأنهم أمهر منه في نسجه فإذا صاروا إلى الألغاز الكلامية يغلبهم. وقد ألغز لهم لغزاً وقال لهم: إن أجبتموه كفرتم، وإن سكتم غلبتم. وأطالوا الشقاق، ثم استسمحوه بعد ذلك وقالوا له: (تا لله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين).

ولم يكن والده من أهل العلم، فكانت إديقب تحضره للتبكيت عليه، وتسأله عن المسائل، لتحط من قدر المختار، وتخجله بذلك، ولم يزده ذلك عند الناس إلا رفعة وعلو منزلة. وهل ضر عكرمة بن أبي جهل كفر أبيه.

واتفق يوما أن أحد إديقب، مر ببون في غنيمة له، وكان المختار يلزمه بيته، إذا كان معه ولا يتركه يخرج، فلما غاب، خرج هذه الخرجة فقال له: إن المختار يوجد قريبا وعنده لباس كثير، فدونك فاركب معي على هذا الجمل، فأراد أن يدس قدوما عنده، فقال له: إن تركتها شرقت. فحمله على حقيبة الجمل، ثم إنه لما استبطأ محل المختار، قال له: أنزلني، وأراد هو أن يثب من فوق الجمل،

<<  <   >  >>