للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخبره بأن ابنا دليم، أغاروا على إبله، وهذا من مسافة تزيد عن شهر، فانكفأ متوجهاً إلى أقصى تيرس، وكان يصحبه كبار تلامذته، فقال أحدهم:

لكَ اللهُ مِنْ شيخٍ إذا ما تبوّأَتْ ... تلامذُه مأوى لنصبِ المدارسِ

تيمّمَ ميمونَ الخصَاصةِ فاتِراً ... على ظهْرِ مفتولِ الذراعين عاتِسِ

يفزعُ نون البحر طوراً وتارةً ... يُهدّمُ جُحْرَ الضَّبِّ فِي رأس مادِس

وكان يشدد النكير، على وليّ الله الشيخ المختار الكنتي، وله في ذلك، وقد بلغه أن الشيخ قال إنه يسلبه:

أسيّدَنَا المختار لا تكُ مفرِطاً ... وإياكَ والتفريطَ واعدلْ وأقسِطا

فكونُكَ ذا مالٍ وجاهٍ وَرُتبةٍ ... عَلتْ في قلوبِ الناس لمْ يمنعِ الخطا

وكونيَ لم أذكَرْ كذكرك لم يكنْ ... ليمنَعني التوفيقَ من مانح العطا

أتسلبني واللهُ ما شاَء مثبتٌ ... إذاً أنتَ في تعظيم نفسك مفرطا

وله أيضا في ذلك:

لئن كنتمُ استظهرتموا أنْ جعلتموا ... أموراً علينا في الشريعَةِ لم تكنْ

فلا تُنكروا إنْ كنّتِ الكتْبِ عنكم ... سرائِر عنا حالةَ البحثِ لم تكن

ثم إنه رجع عن ذلك، وصارت بينهما مكاتبات وملاطفات، واتفقا على أن يجتمعا في تكانت، بأن يقدم ابن بون من أرض القبلة، ويتوجه الشيخ من أزواد. ثم إن

المختار رحل من القبلة كما قال، ولما بلغ أول طرق تكانت، بلغه أن الشيخ عدل عن عزمه، وسأل عن ذلك المحل، فقيل له: يقال له التِّبرانن (بتشديد المثناة الفوقية مكسورة وفتح الموحدة وفتح الراء مرققة وبعدها ألف وكسر المثناة الفوقية مخففة وسكون النون) اسم طريق من طرق تكانت، فقال لهم: بلدة طيبة ورب غفور، وأخبرهم بأن ذلك محل تربته، وكان كما قال، هكذا تقول الناس، والله أعلم.

<<  <   >  >>