فغضبت امرأتُهُ من هذه الأبيات، وخرجت من بيته، وقالت له: ابن بيتاً من الشعر، فقال:
منْ يهْجُرُ الشعر جَرَّا عاذلٍ زجَرَهْ ... أم من يطيق صدودَ الحِبِّ إنْ هَجَرَهْ
أضحتْ صَفيَّةُ عن لُقْياكَ مُعْرِضَةً ... والشّعْرُ يَعْرِضُ مِنْ مكنُونِهِ دُرَرَهْ
لم أدْرِ أيُّهما أدْهى مُفارَفَةً ... كلٌّ يحِنُّ فؤادي دائما أثرَهْ
قد كنتِ ياذي إلى نفسي محببةً ... ورُبما صَدَّقَتْ حالُ امرئ خبَرَهْ
طئَتْ عن القلب رمياتُ الحسانِ سِوي ... سَهْمَيْكِ قدْ قَرَعا أعْشارَهُ العَشَرَهْ
فما عليكِ إذاً لو رُحْتِ عالمةً ... أنَّ القَرِيضَ جناً للفكر لَنْ يذرَهْ
أمْ خلتني مثلَ أقْوامٍ عَهِدْتهِمُ ... طُوعَ الحلائل لا يعصونَ أمر مَرَهْ
كلاَّ لعَمْرُ بناتِ الفِكرِ ثمَّقَها ... حَرَّانُ ذاد بها من همه شرره
بَلْ لَيْتَ يومَا فتاةَ الحيّ إذ أمرتْ ... أن ابتني من قريضي واسعَ الحُجُرهْ
تدرِي حقيقتَهُ علمَ اليقين لِكيْ ... تَرى البيُوتَ سِواهُ غيْرَ مُعْتَبَرهْ
وقال أيضا يمدح الشيخ سيديَّ:
ما للمشيبِ وفعل الفتيةِ الشَّبَبَهْ ... وللبيب يواصي في الصّبا خَببهْ
آنت لذي شَمَطِ الفودينِ رجعته ... إنَّ القتيرَ ليَحمي ذا النُّهى طرَبهْ
لمَّا تأوَّبني منْ طولِ ما جَمحَتْ ... نفْسي هُمومٌ رَمتْ صَبْرِي بما سَلبهْ
ناجَيْتُ فكري وقد أمعَنْتُ من نظري ... ثمَّ استمر بيَ الرَّأْيُ الذي اكتسبَهْ
أن يمْمَتْ شرَفَ الدينِ الكمالَ بنا ... علياءُ تعتسف الآكام والهضبهْ
حتى وضعتُ عَصى سَيْري بباب فتىً ... يؤوِى الطريد ويولي الراغب الرغبهْ
من نبْعة طيّبَ الباري أرُومتها ... بيتاً أحلَّ ذُرى المجدِ العُلى نسبهْ
حارتْ أناسٌ بجَدْوى حاتمٍ ولقد ... نَرى سَخاءً كمالَ الدينِ قد غلبَهْ
أغْنى العماعِمَ مِنْ راجيهِ سَيْبُ نَدَا ... مَنْ لا يُمنَّ على العافينَ ما وَهبهْ
مَن كان يَفْضُلُ لِلمُعْتَرِّ إِنْ عَرضَتْ ... عزَّاءُ تعْدُو عَليهِ أُمَّهُ وَأَبَهْ