للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترى الوقار عليه والسكينة في ... حال الحفيظة مما أن ثنى غضبه

وقال أيضا: وسبب هذه القصيدة، انه لما كان في أقاصي السودان، اشتاق إلى أوطانه وأهله، فترك أولادا له صغارا، ورجع إلى أهله. فلما أقام مدة بين أظهرهم، اشتاق إلى أولاده، وحن إليهم، فأراد قومه أن يثبطوه عنهم. فلما علموا انه لا يمكنه تركهم، جعلوا يعدونه برفقاء ليأتي بهم، فقعد سنة ينتظر وعودهم. فلما تحقق خلفهم، شد رحله على جمله، ووافاهم في مسجدهم، فلما قضوا صلاتهم، قال لهم: لا يخرج أحد حتى أتم كلامي، فأوَّل ما نطق به، ان أقسم لهم أن لا يصحبه أحد منهم، ولا يأخذ منهم زادا ولا غيره، ثم أنشد القصيدة، وركب جمله، فبعد مدة طلع عليهم في مسجدهم ذلك ومعه أولاده، وعنده خمسة عشر

عبدا. وهاهي القصيدة:

تجلدتُ للتَّوْديع والقلبُ جازعُ ... وأخفيتُ ما كادتْ تبينُ المدامعُ

ترقرق دَمعٌ لَوْ أطعتُ غرُوبه ... ذرفْنَ كأجرى ما تُفيضُ الدَّوافعُ

فيا عجبا أخشى الفراقَ وطالما ... حَرَصْتُ عليهِ مكرَهاً أنا طائعُ

أَمَرُّ النَّوى مَنأى حَبيبٍ إذا دنا ... لَوَتْكَ بمحبوبٍ بلادٌ شواسِعُ

هما طرفا ميزانِ شوقٍ كلاهما ... تُطلّقُني أَهْوَالُهُ وَتُرَاجعُ

أُتيحتْ لغرْبِ الأرْضِ منى زيارةٌ ... وفي الشرْقِ أرْضٌ في المزارِ تُنَازعُ

ألا فارْحَلا قبلَ الصَّباحِ مَطِيّنا ... فلمْ يَبْقَ إلا أنْ تُجابَ البلاقعُ

إلى حاجةٍ لم يثْنِ عنها عَزيمتي ... صَديقٌ بألوانِ الملامَةِ صادِعُ

غدا إذْ غدا فَرْخاهُ منهُ بمنظَرِ ... يُثبَّطُ لو أَنَّ الشجيَّ يُطاوعُ

أَأُصْغي وأفْرَاخي قدَ أعْرَضَ دُونَهُمْ ... عِراضُ الفيافي والجبالُ الفَوارعُ

دعاني إلى نسيانهمْ كلُّ راقمٍ ... على الماءِ صَمَّتْ عَنْ دُعاهُ المسامعُ

إذا وَعدوا بالمالِ ثمَّ ذكرْتُهُمْ ... تلاشَنْ إذاً لو يعلمونَ المَطامعُ

<<  <   >  >>