أَلا بلغن باب جانِ الحروب ... وجان الحروب رهين الخطا
وكان سلس العبارة، كأنما يأخذ الشعر من جيبه، لقرب مأخذه، على أشياء أخذت عليه. منها قوله في وصف خيال:
أهلاً به من مُلِّمٍ صوبنا قذفتْ ... بيدا لبيدٍ وأصحاراً لأصحار
فإن صحراء لا تجمع على أصحار، وإنما تجمع على صحروات، وعلى صحارَى، صحارِى، وإنما اغتر ببيت الأنصاري:
مَن كان في نفسه حوجاَء يطلبها ... مني فإِني له رهن بإِصحار
فإن إصحار هنا، مكسور الهمزة، مصدر أصحر، أي برز للصحراء. وقد رأيت هذا البيت مكتوبا هكذا:
بيدا لبيد وأسحاراً لأسحار
وهذا غلط أشد من الأول، لان الأول صحيح المعنى، وهذا فاسده، ولأن الطيف لا يصح أن يقذف، أي يرمى سحراً لسحر. والمحافظة على المعنى، أولى من المحافظة على اللفظ. وأخذ عليه قوله في صفة سلاح ناري:
لأن الأم من غير الإناس. تجمع أمات، وأما من الإناس. فإنها تجمع أمهات، وهذا هو الكثير، وقد جمعت أم من العقلاء: أمات، ومن غيرهم أمهات، وقيل إن من قال في المفرد أم، قال في الجمع أمات، ومن قال أمهة. قال أمهات، والحاصل أنه لا يسوغ تلحينه، فيما قيل إنه جائز بقلة، ولا على هذا التفصيل، وكلما غلط
فيه، يوجد له جواب يقنع، غير أصحار.
ونقض أبَّدَّ بن محمود قصائده غير البائية، قالوا: لأنه مات قبل بلوغها إلى ابن محمود، والناس يفضلون الأحول عليه، لسلاسة ألفاظه، وبعضهم يعكس. قال: لأن كل معنى وقع في شعرهما، إذا تؤمل يظهر ذلك فيه، فإن الأحول، قال في صفة سلاح ناري: