في الكثرة، وما انضم إليهم من أبناء البوعلى، وتيابهم، ويظن أنه لا يهزم؟ بل العار في أن لا يهزمهم هو، وفي أن يخرج من أرضه ولا يبعث الجيوش حتى ينتصف. أما إذا انهزم يوما بعد يوم، ولم يلن لذلك جانبه، فهذا دليل على صلابة عوده وقوَّة عزمه. وهل أمكن عدّوه أن يوافيه في أرضه وعشيرته، بجيش واحد فيغنم، أو يخسر، فمحمود مثل ما قال الشاعر:
وأخرجت منها ولكنني ... رجعت على رغم أنف الجميع
وسيأتي بيان أن إدابلحسن، لم يخرجوه على كثرتهم وقلة قومه، بل أخرجه تضافر الترارزة عليه وعلى قومه، ما عدا أبناء دامان وأهل عبل.
وكان رحمه الله موصوفا بحسن الأخلاق، حدثني عمنا مأمون، انه لما وقعت الحرب واعتزلها من اعتزلها من الفريقين، كان - هو أعني مأمون - قبل البلوغ، فذهب مع العلامة المختار بن عبد الجليل يقرأ عليه. وكان الأحول صديقا لأخيه أحمد، لما كان يقرأ على يوسف وباب المتقدمين. فاتفق أنه مر على المذكور، فرأى مأمون فعرفه، فأسرع اليه وضمه إلى صدره، وجعل يتوجع مما وقع، ولامه على عدم مجيئه إليه لما رآه ولما بلغ موتة الشيخ سيديَّ، قال: ذهبوا به إلى غير فنه، يعني أن فنه صوغ الشعر الجيد. وليس من فئة مناضلة الأبطال، ضنا به عن الموت. هكذا يقول الناس، ويجعلون الضمير عائد على من قتله. ولا يخفى
أن هذا فاسد المعنى، لان المعنى توبيخ قومه على حملة الغزو، فإن الفتنة لو كانت وقعت عند حيّه، لكان لذلك وجه، ولكن الفتنة وقعت خارجا عن بلادهم، وسببها: أن العلويين أغاروا على آبال لهم، فأتبعوهم مسيرة يومين أو نحوهما. وكان هو في مقدمتهم، واختلف في قاتله. فأهل تكانت يزعمون، أن قاتله محمد أحيد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم. وأهل القبلة يزعمون، أن قاتله محمد بن الحسن بن الأمين، قالوا: ووجد في كانون مدفعه (أي موضع ثوران البار ودمنه) شيء من الشوك، لأنه كان يتحرج من قتل مسلم، وما أظن هذا صحيحا،