ويجعلونه طعناً في علم آباء صاحب الترجمة، وهذا محال، لأن والده كان من أفقه قومه. وأما جده الأدنى، فإنه كان بتيرس، فلما كُفَّ عمه القاضي، لم يجد من أولاده من ينوب عنه في قراءة الحديث، فأرسل إليه فترك أولاده، ولم يزل هو النائب عنه حتى مات. والمعنى عند حرمة الله، إنه لم يتلق علمه عن شيخ، لأن أساتذته كانوا أقل منه منزلة في العلم، ولأن مدة طلبه تقتضي أن لا يناظره، لما اشتهر عنه من العلم، وهذا قريب مما كان أبو حيان يقول عن ابن مالك، فإنه قال: بحثت عن شيوخ ابن مالك فلم أجد له شيخا مشهورا يعتمد عليه، ويرجع في حل المشكلات اليه، الا أن بعض تلامذته ذكر إنه قال: قرأت على ثابت ابن حيان بجيان، وجلست في حلقة أبي على الشلو بين، نحوا من ثلاثة عشر يوما، ولم يكن ثابت بن حيان من الأئمة النحويين وإنما كان من الأئمة المقرئين. قال وكان ابن مالك لا يحتمل المباحثة، ولا يثبت للمنافثة، لأنه إنما أخذ العلم بالنظر فيه بخاصة نفسه، ومن تتبع شرحه للتسهيل، وجد كثيرا من طعنه عليه، عفا الله عنه، حتى قال معرضا به:
يظن الغمر أن الكتب تهدى ... أخا فهمٍ لإدراكِ العلومِ
وما يدري الجهول بأن فيها ... غوامض حيّرتْ عقل الفهيمِ
إذا رُمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ... تصيرَ أضلَّ من تُوما الحكيم
ولم يحط هذا من قدر ابن مالك، ولا صدّ الناس عن كتبه المفيدة، ومن تتبع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، علم أن هذا الداء قديم في العلماء من أئمة المذاهب فمن دونهم. وبالجملة فكان باب هذا، من أعاجيب الدهر في العلم والإنفاق في سبيل الله، والرجوع إلى الحق، وقد سمعت من بعض الشيوخ إنه ذاكره في مسألة. فشدد صاحب الترجمة في النكير عليه، فلما أمعن النظر في المسألة، علم إنه مخطئ، فترك الناس حتى فرغوا من الصلاة في المسجد، فقال لهم: لا يخرج أحد