وكانت بين قبيلته وقبيلة كنت، خصومة قديمة، فلما وقعت الحرب بين إدولحاج - وهم إذ ذاك مقيمون بمدينتهم المعروفة بوادان - وبين العلويين المقيمين بمدينة شنقيط، انتصرت لهم كنت، فانتصفوا بعد فشلهم، فصارت كنت ترى لها منة عظيمة على إدو لحاج، وأفرطوا في الدالة، حتى صاروا يقتلونهم وتذهب دماؤهم هدرا. وكان سيدي محمود هو رئيس قومه، ولا تطلب منه قبيلة كنت طلبا الا فعله كائنا ما كان، حتى إنهم كانوا يقتلون القتيل من قومه، فيترحى منهم العفو، وحتى أخذوا سلاح قومه كله، وكان إذا أناخ عندهم بطلب الأمان لقومه يقولون: صوت نويقة سيدي محمود.
فلما نشأ عبد الله، غاظه أمرهم، وصار يفكر في حربهم، وكانت لكنت شوكة عظيمة. فاشتغل في أوَّل أمره بالعلم، وانكب عليه، وكان لا ينام لشدة جده واجتهاده، فكان كما قال الشاعر:
أعاذلتي على إتعاب نفسي ... ورعيى في الدجى روض السهاد
إذا شام الفتى برق المعالي ... فأهونُ فائتٍ طيبُ الرقاد
وروى أن نسانا كلمه في ذلك، فقال له: أنا أفكر في ثلاث مسائل، لا يمكنني أن أنام قبل أن أنالها، وهي أن أحج، ثم أتزوج بنت محمد بن محمد شين رئيس أهل تكانت، ثم أحارب كنت، وقد نال هذه الثلاث. ولما توجه إلى الحج مر على الوليّ الصالح، الشيخ سيدي المختار الكنتي المتقدم، وكان أبوه أوصاه أن لا يصير تلميذا له، من شدة موجدته على كنت، فلما قرب منه، قال: لامتحننه بثلاث مسائل. فإن فعلها من تلقاء نفسه، صدَّقت ما يحكى عنه أولا: أن يأخذ هذا الجمل ويقيده مع جماله، فإني نويت أن أهديه إليه. ثانيا: أن يأتيني بدواء من امرأته فلانة، ونسيت
الثالثة. فلنا أناخ عنده، قال لأحد تلامذته خذ ذلك الجمل، وقيده مع جمالنا، ثم أتاه بالدواء الذي أضمر في نفسه، وقال له: هذا من عند فلانة، ثم فعل الثالثة على وفق ما أضمر، فسلم له، ولم يتلمذ له لأجل