وإقامة الدين. وصارت حسان تتناهب الأموال، ويتقاتل بعضها بعضا، وصار ما كانوا يأخذون من اللحمة ملكا متوارثا، إلى أن صاروا يبتاعون رقاب اللحمة. أعني: إنه يبيع أحدهم من يتولاه للآخر، مع اعترافهم بأنهم أحرار، ولا يعنون بالبيع: الاسترقاق الشرعي، بل مرادهم بيع المكس، الذي يؤخذ من أحدهم. ويسمون اللحمة أزناكه، والأصحاب أيضا، والأمكاس التي يأخذونها عليهم، ليست إلا على الرجال البالغين، واعلم أن
اللحمة أيضا يحملون السلاح، ويشتركون معهم في الحروب ونهب الأموال، وربما حاربوهم، فإذا وقع الصلح يعطونهم ما هو مقرر عندهم.
بقى شنقيط منذ فتحه المسلمون إلى سنة ١٣١٧، لا يوجد فيه فرد واحد خارجا عن الإسلام، إلا أن أهله متفاوتون في الاستقامة. فالأغلب على الزوايا: الدين، وربما وجد فيهم بعض السفهاء، كما إنه ربما وجد في حسان، من ينسب إلى الاستقامة، بالنسبة إلى غيره منهم.
ومن أعجب أمرهم: أنهم لا يعدون ظلم اللحمة ظلما، ويقولون: فلان يدافع عن المسلمين، إذا كان ينصر الزوايا على من ظلمهم، ولا يقدح عندهم في استقامته سفك حسان ولا ظلم اللحمة. وربما اعترض علىَّ بعض من وقف على أمور أهل تلك البلاد، بأن بعض زوايا أهل القبلة، له أتباع من اللحمة، يأخذ عليهم المكس، وكذلك بعض أهل تيرس، فهم في هذه كحسان. والجواب: إنا أردنا الأكثرية، ولا ريب في أن الذي قاله صحيح. وحيث أوضحنا لك انقسامهم في الأصل، فلنتكلم على ما هم عليه الآن، فنقول:
ما رأينا منهم من يقر على نفسه بأن أصله من سكان تلك البلاد، إلا أن قبيلة لمتونة حفظ لها التاريخ أصلها. والخلف في لمتونة بين المؤرخين قديم. فالأكثر أنهم من حمير، ودخلوا بلاد المغرب في الجاهلية، وقد مشى عليه صاحب عمود النسب، فقال: