لم يبلغوا لهم درجة الوزراء، فألجموا الخيل، وزموا الإبل؛ وأتى منهم من يملأ السهل والجبل، ولما رأينا ما سمعنا من أمرهم، تذكرت ما قال بعض الولائد:
تجمعتمُ من كل أوب ووجهةٍ ... على واحد لا زلتمُ قِرن واحد
فأتوا معشرا معاطاة كؤوس الحِمام، أشهى إليهم من معاطات كؤوس المدام:
فَجُلْ بقولك في أقصى مآثرهم ... إن أنت في ذاك بالإفعال لم تجل
لقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلاً فقل
أولئك قوم كلُّ من جد غيرهم ... ترى جِدَّه هزلاً إذا ما هُم جَدّوا
ولا ترج يوماً صالحاً لعدوّهم ... وإن هو منهم كان أكثر إن عُدوا
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... قليل إذا عُدُّوا كثير إذا شَدُّوا
فسقط في أيدي تلك العساكر وولوا خائبين، فكم من فئة قليلة، غلبت فئة كثيرة بإذن الله؛ والله مع الصابرين، فقُطع دابرُ القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين:
إذا الدهر بالمكروه سامك فاصبرا ... ولا تجزعنْ منه أقلَّ أو اكثرا
فما دام شجوٌ لامرئٍ ومسرة ... أرى الدهر من هذا وهذاك أكثرا
لقد كنتُ أحجو الهجر أكبرَ فاجع ... فألفيته من أصغر البين أصغرا
أرى البين عن ساقيه أضحى مشمّراً ... وشجوك لما شمّر البين شمرا
وليس يرد الحزن من شطّ وليُهَا ... فأقصرْ عن الأحزان إن كنت مقصرا
تغيرتَ أحوالا كما أن رسمها ... وحُق له من بعدها قد تغيرا
غدا رائحُ الأرواح والمعْتدى به ... إذاً بدلاً منه أصمّ وأعورا
أمرُّ على أكنافه متجاهلا ... لأني متى أعرِفه جَفْتَيَ أمطرا
كأني حنيناً من تذكر أهلها ... مسنٌ لأيام الشباب تذكرا
تقول وقد أضمرتُ ما بي أترْتضى ... هوىً لم يزل في مضمر القلب مضمرا