امرأة فارسية قد طلقها زوجها وأراد أن يذهب بابنها قال فجاءت (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت إن زوجي يريد أن يذهب بابني) ويختص به دوني (وقد سقاني من بئر أبي عنبة) بكسر العين واحدة حبات العنب، بئر معروفة بالمدينة قالته إظهار لحاجتها إليه، ولعله بعد مدة الحضانة (وقد نفعني) أي بغير سقي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «استهما عليه» فقال زوجها من يحاققني في ولدي (فقال) يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يا غلام هذا أبوك» وأجلسه ناحية «وهذه أمك» ناحية «فخذ بيد أيهما شئت».
قال الخطابي هذا في الغلام الذي قد عقل واستغنى عن الحضانة (فأخذ بيد أمه) اختار أمه لعله لأجل رأفتها به وشفقتها عليه (فانطلقت به) فدل الحديث على أن الابن بعد استغنائه بنفسه يخير بين الأم والأب، وهو عمل الخلفاء ومذهب جمهور العلماء، وينبغي أنه إن كان عند الأب كان ليلاً ونهارًا، ولا يمنع زيارة أمه، وإن اختارها كان عندها ليلاً وعند أبيه نهارًا ليعلمه ويؤدبه، وإن عاد الصبي فاختار الآخر نقل إليه، وإن لم يختر أو اختارهما معًا أقرع، وقيل يقرع بينهما لما تقدم، ولما في السنن للبيهقي من حديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال «استهما» فقال الرجل: من يحول بيني وبين ولدي فقال - صلى الله عليه وسلم - «اختر أيهما شئت» فاختار أمه فذهبت به، وإنما قدم الجمهور الاختيار للأخبار، ولعمل الخلفاء الراشدين به.