(إن الحرم لا يعيذ عاصيًا) فيخلي سبيله ومعصيته، بل يردع أو يعزر بما يستوجبه (ولا فارًا بدم) وجب عليه حد القتل فهرب على مكة مستجيرًا بالحرم (ولا خربة) أصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة، وقال الخليل: الخربة الفساد، وقال السهيلي: فيه أن الكعبة لا تعيذ عاصيًا، ولا تمنع من إقامة حد واجب، واستدل بعضهم بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة، ونقل ابن الجوزي وغيره الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، وخص الخلاف عمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم.
وعن مالك والشافعي يجوز إقامة الحد مطلقًا فيها لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، فأما من أوقع فيها فلو لم يقم الحد عليه لعم الفساد وعظم الشر في حرم الله، فإن أهل الحرم كغيرهم في الحاجة إلى صيانة نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، وأما من أوقع في الحل ولجأ إلى الحرم فالأولى أن لا يقام عليه فيه، لأنه لم يزل يعيذ العصاة من لدن الخليل، وقام الإسلام على ذلك، وقال تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وفي الحديث "إن الله حرم مكة" فاللاجئ إليه لا يتعرض له ما دام فيه، وذكر عن عمر وابن عباس أن أحدهما لو لقي فيه قاتل أبيه ما هيجه، وأنه قول جمهور التابعين.