بدرهم" مبالغة في رخصه. فمنعه من العود في صدقته بشراء أو نحوه. ولو وجده يباع في السوق. سدا لذريعة العود فيما خرج منه لله. لو بعوض. فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوض. فتمكلها بغير عوض أشد منعا. وأفطم للنفوس عن تعلقها مما خرجت منه لله. وقال ابن عمر لا تشتر طهور مالك.
(فإن العائد في صدقته) شمل البيع وغيره (كالعائد في قيئه متفق عليه) وفي لفظ "كالكلب يعود في قيئه" أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل ما قاءه. كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بأي وجه من الوجوه. وشبهه بأخس الحيوان في أخس أحواله. تصويرا للتهجين. وتنفيرا منه. فدل على حرمة العود فيها. وهو مذهب جمهور العلماء. وقال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتري صدقته للنهي. ويلزم من ذلك فساد البيع. إلا أن يثبت الإجماع على جوازه. ولم يثبت.
قال ابن القيم والصواب ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنع من شرائها مطلقا. ولا ريب أن في تجويز ذلك ذريعة إلى التحيل على الفقير بأن يدفع إليه صدقة ماله ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها. فمن محاسن الشريعة سد هذه الذريعة. فإن رجعت إليه بإرث ونحوه جاز تملكها، لما روى مسلم وغيره أن امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركتها، فقال: "وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث".