فدل على أن افضل الصدقة ما بقي صاحبها بعد إخراجها مستغنيا. إذ معنى أفضل الصدقة ما أبقى المتصدق من ماله ما يستظهر به على حوائجه ومصالحه. فالاختيار للمرء أن يتبقى لنفسه قوتا. وأن لا ينخلع من ملكه أجمع مرة واحدة لما يخاف عليه من فتنة الفقر. وشدة نزاع النفس إلى ما خرج من يده فيندم ويذهب ماله ويبطل أجره. ويصير كلا على الناس.
بل يأثم إن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه لتركه الواجب. أو بما يضر بنفسه أو غريمه أوكفيله في مال أو بدن. لقوله - صلى الله عليه وسلم - "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يفوت" رواه أبو داود. وقال ابن الجوزي الأولى أن يدخر لحاجة تعرض. وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج: ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضراء ومن الذل ما يكون الموت دونه. فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال. بل يصور كلما يجوز وقوعه. وأكثر الناس لا ينظر في العواقب. وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما بأيديهم. ثم احتجاجوا. فدخلوا في مكروهات.
والحازم من يحفظ ما في يده. والإمساك في حق الكريم جهاد. كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد. وقال غير واحد نحن في زمان من احتاج فأول ما يبذل دينه. وأما من أراد أن يتصدق بماله كله وله عائلة لهم كفاية. أو يكفيهم بكسبه استحب له ذلك. لأن أبا بكر جاء بجميع ماله. فقال له رسول