وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يوقد كل مسلم نارا، حتى ترى قريش ضخامة الجيش دون أن تعرف هويته، فيؤثّر ذلك في معنوياتها وتستسلم للمسلمين دون قتال، وبذلك يؤمّن الرسول صلّى الله عليه وسلم هدفه في دخول مكة دون إراقة الدماء.
وأوقد عشرة آلاف مسلم نيرانهم، ورأت قريش تلك النيران تملأ الأفق البعيد، فأسرع أبو سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بالخروج باتجاه النيران حتى يعرفوا مصدرها ونيات أصحابها وأهدافهم، فلما اقتربوا من موضع معسكر المسلمين، قال أبو سفيان لصاحبه بديل:(ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا) . فردّ عليه بديل بن ورقاء:(هذه والله خزاعة حمشتها الحرب) ، فلم يقتنع أبو سفيان بهذا الجواب، فقال:(خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها) .
وكان العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلم قد خرج من معسكر المسلمين راكبا بغلة الرسول صلّى الله عليه وسلم ليخبر قريشا بالجيش الضخم الذي جاء لقتالها والذي لا قبل لها به، حتى يؤثّر في معنوياتها ويضطرها للاستسلام دون قتال، فيحقن بذلك دماءها ويؤمّن لها صلحا شريفا ويخلّصها من معركة فاشلة معروفة النتائج سلفا لا يمكن أن تثيرها غير العصبية الجاهلية؛ فسمع وهو في طريقه حديث أبي سفيان وبديل بن ورقاء، فعرف العباس صوت أبي سفيان، فناداه وأخبره بوصول جيش المسلمين، ونصحه بأن يلجأ الى الرسول صلّى الله عليه وسلم حتى ينظر في أمره قبل أن يدخل الجيش مكة صباح غد فيحيق به وبقومه العقاب الذي يستحقونه.
وأردف العباس رضي الله عنه أبا سفيان على بغلة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وتوجّها نحو معسكر المسلمين. فلما وصل العباس المعسكر ودخله وأخذ يمر بنيران الجيش في طريقه الى خيمة الرسول صلّى الله عليه وسلم، رآه المسلمون فلم ينكروا شيئا لأنهم عرفوا العباس، فلما مرّ العباس بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف أبا سفيان وأدرك أن العباس يريد أن يجيره، فأسرع عمر الى خيمة النبي صلّى الله عليه وسلم