وطلب منه أن يأمره بضرب عنق أبي سفيان، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم طلب من عمه أن يأخذ أبا سفيان الى خيمته ويحضره إليه صباح غد؛ فلما كان الصباح وجيء بأبي سفيان الى النبي صلّى الله عليه وسلم، أسلم ليحقن دمه، فقال العباس رضي الله عنه:(يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا) .
قال الرسول صلّى الله عليه وسلم:(نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) .
وأراد الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يستوثق من سير الأمور كما يحب بعيدا عن وقوع الحرب، فأوصى العباس باحتجاز أبي سفيان في مضيق الوادي، حتى يستعرض الجيش الزاحف كله فلا تبقى في نفسه أية فكرة للمقاومة.
قال العباس:(خرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرّت قبيلة قال: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: سليم! فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمرّ به القبيلة، فيقول:
يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلا سألني عنها، فاذا أخبرته قال: ما لي ولبني فلان!!
(حتى مرّ الرسول صلّى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال: سبحان الله! يا عباس! من هؤلاء؟
قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما) ...
قال العباس:(يا أبا سفيان! إنها النبوّة. قال: نعم إذن) ... عند ذاك قال العباس لأبي سفيان:(النجاء الى قومك) ! فأسرع أبو سفيان الى مكة.