بل إن دخول أرتال المسلمين من كل جانب من جوانب مكة، لا يعني إلا إقناع قريش باستحالة المقاومة.
كما عهد صلّى الله عليه وسلم الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة، ألّا يقاتلوا إلا من قاتلهم.
كل ذلك كان يستهدف السلم وحقن الدماء.
وبقي الرسول صلّى الله عليه وسلم مصرا على نياته السلمية بعد الفتح أيضا، فقد أصدر العفو العام عن قريش «١» وقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) .
(١) - أمّن رسول الله (ص) الناس حاشا عبد العزّى بن خطل وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ومقيس بن صبابة وقينتي ابن خطل وهما فرتنا وصاحبتها، وسارة مولاة لبني عبد المطلب. أما ابن خطل، فكان قد أسلم وبعثه (ص) مصدّقا وبعث معه رجلا من المسلمين فعدا عليه وقتله ولحق بالمشركين، فوجد يوم الفتح وقد تعلق بأستار الكعبة، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فكان يكتب لرسول الله (ص) ، ثم لحق بمكة فاختفى، فأتى به عثمان بن عفان رسول الله (ص) وكان أخاه من الرضاعة، فاستأمن له، فأمنه النبي (ص) . وأما عكرمة بن أبي جهل ففر الى اليمن فأتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فردته، فأسلم وحسن إسلامه، ثم أصبح من قادة الفتح الاسلامي. وأما الحويرث بن نقيذ، وكان يؤذي رسول الله (ص) ، فقد قتله علي بن أبي طالب يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة، فكان قد أتى النبي (ص) مسلما ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله لقتله أخاه خطأ، فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي وهو ابن عمه. وأما قينتا ابن خطل، فقتلت إحداهما واستؤمن للأخرى، فأمنها رسول الله (ص) ، فعاشت الى أن ماتت بعد ذلك بمدة، وكانتا تغنيان بهجو رسول الله (ص) . وأما سارة فاستؤمن لها أيضا، فأمنها رسول الله (ص) . واستتر رجلان من بني مخزوم عند أم هانىء بنت أبي طالب فأمنتهما، فأمضى رسول الله (ص) أمانها لهما، وقيل إنهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية أخو أم سلمة، فأسلما وكانا من خيار المسلمين. وهكذا لم يقتل من أهل مكة وهم ألد أعداء الإسلام والمسلمين يوم الفتح غير ثلاثة رجال وامرأة واحدة!! وهذا منتهى التسامح والإنصاف.