وكما حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على السلم الإجماعي حرصه على السلم للأفراد، فمنع القتل حتى لفرد من المشركين.
قتلت خزاعة حلفاء المسلمين رجلا من هذيل غداة يوم الفتح لثأر سابق لها عنده، فغضب الرسول صلّى الله عليه وسلم أشد الغضب، وقام في الناس خطيبا، ومما قاله:
(يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فعقله- أي ديته-) .
ثم ودى بعد ذلك الرجل الذي قتلت خزاعة.
بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يقتل رجلا من المشركين أراد اغتياله شخصيا وهو يطوف في البيت الحرام، بل تلطّف معه؛ فقد اقترب منه فضالة بن عمير يريد أن يجد له فرصة ليقتله، فنظر إليه النبي صلّى الله عليه وسلم نظرة عرف بها طويّته، فاستدعاه وسأله: «ماذا كنت تحدّث به نفسك) ؟! قال:(لا شيء! كنت أذكر الله) . فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم وتلطّف معه ووضع يده على صدره، فانصرف الرجل وهو يقول:(ما رفع يده عن صدري، حتى ما من خلق الله شيء أحبّ إليّ منه) .
لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يستهدف من حرصه على السلم تأليف قلوب الناس وتوحيد كلمتهم ليقبلوا طائعين على الاسلام، فلم يكن من السهل على قريش أن تقبل بمصيرها الذي آلت إليه وهي كانت سيدة العرب غير منازع، لأنها أعظمهم حضارة وأشدهم بأسا وأكثرهم مالا وفي بلدها البيت الحرام.
ليس من السهل أن ترضى قريش بمصيرها هذا وتقبل على الاسلام طائعة وتحمل رايات الجهاد، لو لم تعامل هذه المعاملة السلمية التي لم تكن تتوقعها؛ وبذلك انقلب موقفها من أشد الناس عداوة للإسلام الى أحرص الناس على رفع راية الاسلام.