ويهمني بعد ذلك أن تعرف كيف عالج الاسلام قضية التخلف بالعقاب النفسي الذي أخذ المسيء وحده بذنبه، دون أن يلحق بغيره من الأبرياء أي عقاب.
اسمع قصة تخلف كعب بن مالك كما يرويها بنفسه، لتر كيف كان عقاب المتخلفين في الاسلام!
قال كعب:(جئت فسلّمت عليه (يقصد على النبي صلّى الله عليه وسلم) ، فتبسّم تبسّم المغضب، ثم قال: تعاله. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟
(قلت: بلى! والله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا؛ ولكن والله لقد علمت إن حدّثتك حديث كذب ترضى به عليّ، ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني ... والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.
(فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدقت فيه، فقم حتى يقضي الله فيك) ، فقمت ...
(وثار رجال من بني سلمة، فأتبعوني يؤنبونني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت قد أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(قال كعب: فو الله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم مرارة بن الربيع العمري من بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين شهدا (بدرا) فيهما أسوة ... فصمتّ حين ذكروهما لي ...