للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلّف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي الأرض فما هي بالتي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.

(أما صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان؛ وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد؛ وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فاذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عني ...

(حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسوّرت «١» جدار أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلّمت عليه فو الله ما ردّ عليّ السلام! ...

(فقلت: يا أبا قتادة! أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟

فسكت! .. فعدت له فنشدته، فسكت ... فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ... ففاضت عيناي وتولّيت حتى تسوّرت الجدار ... ثم غدوت الى السوق ...

(فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، وإذا نبطيّ من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه في المدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى إذا جاءني، دفع إليّ كتابا من ملك غسان وكتب كتابا في سرقة «٢» من حرير، فاذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا


(١) - تسوّرت: علوت. وفي كتاب الله: (إذ تسوّروا المحراب) .
(٢) - سرقة: شقة من الحرير، ويقال: السرق، أحسن الحرير وأجوده.

<<  <   >  >>