مسيطرا على أعصابه سيطرة أقرب الى الخيال منها الى الحقيقة في أشد المواقف حرجا وفي أحلك الظروف.
لم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب عند تطويق المشركين له ولقسم من أصحابه في (أحد) من كل جانب، ومع ذلك سيطر على أعصابه وقاد سفينة المسلمين الى ساحل الأمان.
ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (الأحزاب) خاصة بعد غدر يهود؛ ومع ذلك سيطر على أعصابه فصدّ (الأحزاب) وقضى على يهود.
ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (حنين) ، عند انهزام المسلمين، ولكنه ثبت مع عشرة فقط من أصحابه تجاه التيار الجارف من مطاردة المشركين، وسيطر على أعصابه حتى هزم أعداءه، فعاد أصحابه ليروا أسرى المشركين مكبلين بالأصفاد.
تلك أمثلة من سيطرته على أعصابه في وقت الشدة، أما في وقت الرخاء، فقد كانت سيطرته أروع بكثير مما هي عليه في وقت الشدة.
ومن أمثلة ذلك يوم فتح مكة، فقد رآه المسلمون يومذاك وقد أحنى رأسه على رحله وبدا عليه التواضع الجم، حتى كادت لحيته تمسّ واسطة راحلته؛ وكلما استشعر بأهمية نصره ازداد تواضعا وازداد على راحلته خشوعا.
إن قيمة سيطرة الرسول صلّى الله عليه وسلم على أعصابه في مثل هذا الموقف الذي يعدّ أكبر نصر للمسلمين، تتضاعف إذا قارناها بمواقف العظمة والجبروت التي أظهرها غيره من القادة عند انتصارهم، فذهب بهم الطيش مذاهب أدت الى كوارث من نتائجها هلاك ودمار كثير من الناس والأموال ...
لقد بقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد وصوله الى أعلى مراتب السيطرة والسلطان بسيطا في مأكله ومشربه وملبسه وفي حياته كلها كما كان في أول أيامه يوم كان