ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم حرص على كتمان نياته حرصا شديدا، فكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، فينقل (الرتل الخامس) تلك المعلومات الخاطئة الى أعدائه، مما يؤدي الى بلبلة أفكار أعداء المسلمين.
ومن أمثلة الكتمان الشديد، تلك (الرسالة المكتومة) التي أرسل بها مع عبد الله بن جحش.
لقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ألّا يفتح تلك الرسالة إلا عند وصوله موضع (نخلة) بعد يومين من مسيره، فإذا فتحها وفهم مضمونها مضى في تنفيذها؛ وبهذه الطريقة لم يستطع أحد من أهل المدينة على اختلاف أهوائهم وميولهم، أن يعرف نيات الرسول صلّى الله عليه وسلم ولا واجب سرية عبد الله وهدفها.
وقد أخفى نياته في غزوة الفتح حتى عن أهله الأقربين وصديقه الحميم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد دخل أبو بكر الصديق على ابنته عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم وهي تهيىء جهاز الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال لها:(أي بنيّة! أأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجهّزوه) ؟ قالت:(نعم، فتجهّز) . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:(فأين ترينه يريد) ؟ قالت:(والله لا أدري) .
بهذا الكتمان الشديد، استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يحرّك جيشا كبيرا قوامه عشرة آلاف مسلم لفتح مكة دون أن تستطيع قريش معرفة وقت حركته ولا نياته حتى وصل الجيش الى ضواحي مكة، فاضطرت قريش على الاستسلام.
ومن أمثلة المباغتة في المكان غروة بني لحيان، فقد تحرّك الرسول صلّى الله عليه وسلم بقواته شمالا باتجاه الشام حتى لا تعرف قريش وبنو لحيان اتجاه حركته الحقيقي، فلما انتشرت أخبار حركة المسلمين الى الشمال، عاد الرسول صلّى الله عليه وسلم بقواته فجأة باتجاه بني لحيان، وبذلك باغتهم في المكان.
وفي غزوة (خيبر) تحرّك الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى (الرجيع) قريبا من ديار غطفان، وبعد أن أرسل مفرزة صغيرة من قواته الى معسكر غطفان، عاد