وهجرته الى المدينة من الناحية العسكرية، معناها حشد المسلمين في منطقة واحدة ليكونوا تحت قيادة واحدة.
ولم يبدأ الجهاد في الإسلام، إلا بعد إنجاز حشد المسلمين، إذ أصبح المسلمون بدرجة من القوة يستطيعون معها الدفاع عن الاسلام.
لقد رأينا في بيعة (العقبة الثانية) كيف انكشف للمشركين أمر هذه البيعة، وكيف أظهر الأنصار في حينه عدم اكتراثهم بخطر انكشاف بيعتهم.
قال سعد بن عبادة:(يا رسول الله، والله الذي بعثك بالحق إن شئت، لنحملنّ على أهل (منى) غدا بأسيافنا) .
ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم كان أبعد نظرا وأعمق من أن تؤثر فيه العاطفة، فقال له:(لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا الى رحالكم) ...
فلما أنجز الرسول صلّى الله عليه وسلم كل استعدادات حشد المسلمين في المدينة، وعاهد أهلها من يهود والمشركين، بدأ القتال (فعلا) ، لأن قوات المسلمين حينذاك أصبحت من الناحيتين المادية والمعنوية قادرة على حماية الدعوة وصيانة حرية الرأي.
إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم طبّق مبدأ (الحشد) في كل غزواته، ولم يتردّد أبدا في حشد أكبر قوة مادية ومعنوية في كل معركة خاضها.
خامسا- الاقتصاد بالمجهود «١» :
راعى الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ (الاقتصاد بالمجهود) في كل غزواته، ولم يندب قوة لواجب ما إلّا وهي كافية لذلك الواجب من كل الوجوه.
(١) - الاقتصاد بالمجهود: هو استخدام أصغر القوات للأمن أو لتحويل انتباه العدو الى محل آخر او صد قوة معادية اكبر منها مع بلوغ الغاية المتوخاة. إن الاقتصاد بالمجهود يدل على الاستخدام المتوازن للقوى والتصرف الحكيم بجميع المواد لغرض الحصول على حشد القوى المؤثر في الزمان والمكان الحاسمين.