يمكن تعريف المعنويات: بأنها الصفات التي تميز الجيش المدرّب عن العصابات: بها تظهر الطاعة القائمة على الحب، وتبرز الشجاعة في القتال والصبر على تحمل المشاق، وتبرز كل المزايا التي تجعل الجندي مطيعا باسلا صبورا.
ولست بحاجة الى التحدث عن طاعة جنود رسول الله صلّى الله عليه وسلم له، تلك الطاعة القائمة على الحب المتبادل والثقة المتبادلة، ولا عن شجاعتهم وجلدهم في القتال وصبرهم على تحمّل المشاق بعزم لا يعرف التخاذل والانهزام.
حسبي أن أذكّر فقط بقصة الحدثين الصغيرين اللذين قتلا أبا جهل في معركة (بدر) الكبرى والتي رواها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وحسبي أن أذكّر أيضا بقصة نسيبة الخزرجية (أم عمارة) في معركة (أحد) ، وهاتان القصتان معروفتان ورد ذكرهما في محلهما من هذا الكتاب.
فإذا كانت معنويات الفتيان الأحداث من المسلمين والنساء من المسلمات بهذا المستوى الرفيع، فكيف تكون معنويات الرجال؟
إن مما يديم المعنويات هو وجود أهداف يؤمن بها الجنود بصورة خاصة والشعب بصورة عامة، وقد كانت أهداف المسلمين جميعا حينذاك هي إعلاء كلمة الله والعمل على حرية نشر الدعوة الإسلامية بدون تدخّل أحد ونشر لواء العدل والسلام بين الناس كافة، تلك الأهداف التي آمن بها المسلمون إيمانا عميقا وجاهدوا في سبيلها بكل ما يمتلكونه من غال ورخيص.
كما أن صفات القيادة الحقة هي التي تخلق المعنويات وتديمها، فإذا كانت الأمة محظوظة تهيأ لها قائد عظيم حكيم شجاع يبعث الثقة الحقيقية في الأمة.
ولست أعرف قائدا لأمة قديما أو حديثا امتلك صفات القيادة الحقة كما امتلكها الرسول صلّى الله عليه وسلم، إذ كان في صفاته ومزاياه رجلا يعادل أمة أو هو أمة تعادل رجلا كما يقولون.