تتيح له مجال المران على القوة وتدربه على التعامل بتربيته وتثبت فاعليته ما أخذ به نفسه، حتى لكأنه كان ينتظره ويريده ويبحث عنه ويترقبه، بشوق يجد فيه ضالته. واستعداده في ذاته لا حدود له. وهو أكثر إقداما كلما كان أعلى وأقوى وأخطر، ومهما أحاطت به الأخطار من كل نوع، والمغريات وحتى الشهوات، شهوات النفس الفطرية. حيث إن هذه تربت بهذا الدين واستقامت واعتلت مقاعد وقواعد الإيمان النقي التقي الأصيل والأبي السّني القوي بالله تعالى ودعوته وبنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يكلف الصحابة الكرام ويحملهم جميعا، وبشكل طبيعي وبإنسانيته وانسيابه المتساوق. فتراهم يقبلون متلهفين ويقبلون. فكان ذلك أحد أساليب التربية الجادة العميقة والتعليمية المتريثة المترتبة والتقوية المتثبتة.
فكان يكلف المسلمين، بشكل قوي ومكلف ومجهد. ولولا تلك التربية بهذا الدين، لما كان ممكن أن يستجيب أحد منهم ولا فرد واحد، بينما الذي يحدث أنه لا يتخلف أحد منهم، ومع التخيير، كما حدث في غزوة عبد الله بن جحش (رجب- شعبان سنة ٢ هـ) .
بل ويستجيبون وهم في حالة لا ينتظر معها الاستجابة من أي أحد، لكنهم جميعا سارعوا بفرح وعزم وحرص، كما حدث في غزوة حمراء الأسد (١٦ شوال السنة الثالثة للهجرة) ، في اليوم التالي ليوم أحد وجراحهم ما زالت بدمائها تسيل. ولم يخرج فيها إلا من كان في أحد. ولم يسمح صلّى الله عليه وسلم لأحد غيرهم بالخروج، وقد أرادوا فردّوا. وكان صلّى الله عليه وسلّم في مقدمتهم، رغم ما حدث له يوم أحد.
بل كانوا إذا ندبوا لشيء يقدّمون أكثر مما يطلب منهم، مثلما جرى في الهجرة والنصرة والمؤاخاة. بل العقبة يتقدمون إلى قمة نافلة، بل لم يطلب منهم فيها شيء. كما حدث في بيعة العقبة الكبرى في السنة الثانية عشرة للبعثة النبوية الشريفة- بجانب فرحهم بأعبائها التي تقتضي أن يقدّموا أموالهم فداء