وبذلك فالمسلمون يجدون في السيرة الشريفة، في كل الظروف ما يرتوون منه وينظرون فيه، علاجا وغذاء وارتقاء؛ لأنها صورة هذا الدين، ووحي الله المنزّل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قرآنا عمليا في واقع الحياة، وتلك إرادة الله وحكمته.
إن السيرة الشريفة- على صاحبها الصلاة والسلام- مستودع مترع، متكامل شامل. فهي مليئة بكل هذا، كأن الله تعالى أراد- بعد أن كانت للإسلام صورة طبق الأصل في كل حال- أن تكون قدوة في كل شيء للناس، في كل جيل وحال، لتكون معالم عامة وعلاجا ومثالا وأسوة لكل أحد، وهي في الحق كذلك. فهي مستودع غنيّ بكل ذلك، بما مرّ به ويمرّ.
لقد هيأ الله تعالى لهذا الدّين- في كل العصور وفي عصرنا- من خدمه بكل سبيل، وخدم أحداثه وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها ودقائقها وجوانبها.
والحمد لله تعالى أن اعتنت الدراسات الحديثة، ورعت، وخدمت السيرة النبوية الشريفة والسنة المطهرة، سواء بتحقيق ونشر مؤلفات السلف الأمهات عنها، أو بالتأليف الكثير المتنوع فيها، وجيّده غير قليل.
[* مصادر دراسة السيرة:]
وكتب السنة المطهرة- وأولها الحديث الشريف- مصدر ثرّ أصيل، بعد القرآن الكريم. وإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع شامل للتأليف والكتابة، للدعوة والقدوة:«فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد»«١» .
فالقرآن الكريم ملئ بأحداث السيرة وأحوالها وأخبارها، وهو الحقّ
(١) مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله، (٣٦٢) .