والعبودية لله وحده تطلق الناس أحرارا أبرارا شرفاء أعلياء، والعبودية لغير الله تأكل إنسانيتهم وكرامتهم وسعادتهم، ثم تأكل حتى مصالحهم المادية. وإن هذه القضية لا تتعلق فقط بعبادة الأصنام والأوثان في الجاهليات، حتى القديمة، لكنها تتعلق بكل ألوان الجاهليات، وحتى الحديثة والمعاصرة والمستقبلة، وإن ادعت الحتميات والتقدميات وامتلكت التقنيات وكل الإنجازات، ورفعت الشعارات والعبارات، فإن جاهليات ما قبل التاريخ، وجاهليات التاريخ، وجاهلية القرن العشرين، وكل جاهلية، تقوم على أساس من تعبيد العباد للعباد تتردّى بالإنسان، وتذهب سعادته، وتأكل إنسانيته وكرامته، وهذه- لا غيرها- هي الجاهلية، مهما لبست والتبست وتنوعت وتشكلت واستخفت وأخفت أو أظهرت. وهذه القضية لا تتعلق بالمسلمين وحدهم بل بالبشرية كلها، بكل أجيالها وأجناسها وأحوالها وأوضاعها.
ومثلما لا يغني عن المسلمين مجرد الانتساب، مثلما لا يغني عنهم الخلط والمزج بين الإسلام وغيره، للتمويه والتذويب أو لما سوى ذلك، فإن الله جل جلاله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
* النجاة بهذا الدّين وحده:
ومن أجل إخراج الناس من تلك الجاهليات، وكل الجاهليات في كل العصور والمواقع، أيّ شكل أخذت، وأيّ زي ارتدت، من أجل إخراجهم من كل ذلك، وتعبيدهم لله رب العالمين، من أجل إخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن عبادة العباد، وأية عبادة أخرى، إلى عبادة الله تعالى، جاءت رسالات الله، وبعث بها أنبياءه ورسله صلّى الله عليه وسلّم لتنظيم الحياة الإنسانية وانتظامها، كريمة فاضلة مرتوية ناهلة مؤمنة بربها بعمق أصيل، وسائرة في الموكب المنير.