وكلّ الأمور الآخرى في القرآن الكريم هي من مقتضيات هذه القضية الأساسية الكبرى (الألوهية الحقة الواضحة، والربوبية الكاملة، والعبودية الخالصة) ، والله تعالى يقول: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] .
وبذلك ترقّت الأمة المسلمة في سلّم المكانة العالية الزاهية، وفي قمم العظمة الإنسانية الكريمة، بتباشير مستقبل البشرية المنير، ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبعتها ولادة الإنسانية الفاضلة بهذا القرآن الكريم؛ الذي أنزل الله تعالى عليه، وأمره بإبلاغه للناس كافة.
[* الحياة البشرية من الجاهلية إلى الإنسانية:]
وحياة الإنسان والإنسانية على الأرض- وفي البشرية أجمعين، بدون ذلك- يصيبها في هذه الحياة البوار والدمار، ويورّثها في الآخرة الخسار.
فحياة البشر لا تستقيم إلا إذا استقامت هذه الحقيقة الكبرى، في اعتقادهم وتصورهم، في حياتهم وواقعهم، لا تستقيم إزاء الكون الذي يتعاملون مع أحيائه وأشيائه. إذ حين يضطرب تصورهم لحقيقة الألوهية والربوبية والعبودية، يؤلّهون الأحياء والأشياء، ولا تستقيم إزاء بعضهم البعض بدون استقامة هذه الحقيقة في كل جنبات الحياة، ابتداء من ذات الإنسان.
وإن إنسانية الإنسان وكرامته وحريته الحقة الكاملة، لا يمكن أن تتحقق في ظلّ اعتقاد أو نظام أو مبدأ- مهما كان- لا يفرد الله سبحانه وتعالى بالألوهية وبالربوبية، بل ويشرد عن العبودية.
وواقع البشر خلال تاريخه يثبت هذه الحقيقة ويصدّقها، فما من مرة انحرف الناس عن الدينونة لله وحده، ودانوا لغيره بالاعتقاد والشعائر أو الأحكام والشرائع، إلا وفقدوا بذلك إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم.
وإن الذين شردوا من العبودية لله وقعوا في شقوة العبودية لغيره، والتي أكلت إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم. مهما اختلفت الأنظمة والقوانين،