والرسل الكرام، وورثه سيدهم وسيدنا رسول الله- عليه وعليهم الصلاة والسلام- حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
[* محنة ومنحة:]
فكانت الأولى من الظاهرتين في هذا القرن محنة مرعبة، وكانت الثانية منحة مخصبة. الأمل- بفضل الله ووعده- أن تنمو هذه الشجرة لتؤتي ثمارها يانعة في هذا القرن الخامس عشر؛ الذي قد يتم أمر الله فيه؛ في أي مكان من أرض الله. وهي كلها موطن لدعوته، وعلى أيدي أي شعب من شعوبه، أو أمة من أممه. وهم جميعا مكلفون بها، ويسعون بها ولها إذ بلغتهم هذه الدعوة وليست هي على أحد حكرا، والأمل بعون الله أن نحتفل- من مدّ الله في عمره، أو جيل من أجياله بقيام دولة الإسلام- كما نحتفل نحن اليوم بالهجرة التي كانت بداية للتاريخ الإسلامي، بقيام مجتمعه ودولته، راجين الله تعالى مشاهدتها، والتمتع بقيامها.
ولهذا الاقتران مدلول وأي مدلول، يرى الناظر المتبصر ذلك، من خلال الركام. والله إني لأراها سافرة جاهرة باهرة، حتى لو تخلى عنها الناس أجمعين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: ٥٤] وذلك مقتضى الإيمان، وهكذا كان الأوائل.
وعرفوا ذلك من أول يوم أنبأ الله نبيه الكريم صلّى الله عليه وسلم، وقص عليه، وعلى المؤمنين أخبار الرسل والمؤمنين من قبله: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: ٤- ٨] فكان صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون في قمة العذاب والإعراض الذي يكفي بعضه- لولا النبوة الكريمة بتأييد الله ومدده وتنزيله- لتوريث النكوص، والإلقاء في اليأس القاتل مدفونا دفينا تحته.