للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنها النبوة، وفي كل خطوة من الدعوة- بله المعجزات- عليها دليل، فكانت الأمور عندهم واضحة، ومثالهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فمعرفتهم بالطريق ووعوراته ومتطلباته مقننة، والتهيؤ للسير فيه والافتداء بكل شيء، حتى ليغدو كل عزيز في سبيل الله رخيصا، وبذلك قام البناء، وتنزّل الله سبحانه وتعالى عليهم بالنصر المبين في كل حين.

وهو أمر واضح يقينا وتعيينا، وعلى أساسه كانت الخطى، يشق الموكب طريقه وسط الظلمات الحالكات، لا في مكة وحدها أو الجزيرة، بل في العالم أجمع.

[* من الجاهلية إلى الإسلام:]

فالجاهلية غائرة متمكنة بظلماتها وانحرافاتها وتعبّدها لغير الله تعالى، في العقيدة والعبادة والحياة. عبّدوا أنفسهم لحجر أو شجر أو بشر، وإن اختصت- بتفاوت الديار- في ألوان من هذه أو تلك. ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

«إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب» «١» .

وفي وسط هذا الضلال الشامل بدأ الزمان يدور باسم الله وبدعوته؛ ليستقر عما قريب على الهيئة والحالة التي أرادها الله لها، ولاستحقاق الخلافة بأرض الله بشرعه الكريم، كان ذلك حين جلجل صوت الوحي بقراءة أول آيات من كتاب الله تنزّل بها الروح الأمين من عند الله تعالى على قلب محمد صلّى الله عليه وسلم، فكتبت فيه ليبدأ الإشعاع الرباني من غار حراء، وليرتفع بها صوت النبي صلّى الله عليه وسلّم عاليا مدويا في جنبات مكة وطرقاتها، وتردّده أحياؤها، ثم بعد ثلاث سنوات نادى على جبل الصفا بأعلى صوته، امتثالا لأمر الله:


(١) من حديث شريف، أخرجه مسلم: كتاب: الجنة، باب: الصفة التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم (٢٨٦٥) . مسند الإمام أحمد (٤/ ١٦٢) .

<<  <   >  >>