فلا بدّ بعد النصيحة- إن لم يستفيقوا، أو يستقيموا- أن ينبذوا، وتعرف أقدارهم، بعد ما خابوا أو فشلوا، في مواقف كانت تنتظر، ممن حمل علمهم. ولا يغير من الأمر ندبهم وبكاؤهم، إلا أن يعلنوا توبتهم عن مقالهم وإدانتهم لذلك الماضي الثقيل الذليل؛ الذي يرفضه الإسلام، وأن تظهر لهم مواقف كريمة مخلصة خالصة.
* جمال أمثلة صياغة الحياة وتفرّد وعمق صبغتها:
وإن الذين صاغوا الحياة الإسلامية، وحموا الإسلام، وحملوا دعوته، هم الذين دوّنوا هذه العلوم، واعتنوا ببناء الحياة على الإسلام، قرآنا وسنّة- حديثا وسيرة وشمائل- وفقها وشريعة. وكان في هذا- كل منهم- على ثغرة في العلم والعمل. وهما في ضمير المسلم وحياته متلازمان، وما عرفوا العلم إلا كذلك ولكليهما. بل هم الذين رفعوا راية الجهاد والاستشهاد، كانوا أمثلة في الحياة والممات. والاطلاع على السيرة النبوية الشريفة يقدم الأمثلة الفرائد والشواهد الشواهق في كل الميادين، سلما وحربا، نساء ورجالا وأطفالا، وعجائز وشيوخا.
والحياة الإسلامية مليئة بأولئك الذين خدموا السّنّة والسيرة النبوية كلهم بالاقتداء، وبثّوها بالتدريس، ودوّنوها بالتأليف. وهناك العديد من علماء السيرة المشهورين الذين عرفوا بذلك، سواء أفردوها بالتأليف، أو ضمن مؤلّف عام، أو خصّوا الحديث عنها في جانب من جوانبها، تفصيلا أو اختصارا، أو مبثوثة هنا وهناك من مؤلفاتهم. وإن كثرة منهم من علماء الحديث ورواته والفقهاء والعلماء، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه سواء. والأمثلة على ذلك كثيرة.
فمنهم ابن حزم الأندلسي (٤٥٦ هـ) وأبو عمر يوسف بن عبد البرّ (٤٦٣ هـ) وأبو علي الصّدفي- الذي استشهد سنة (٥١٤ هـ) - وأبو الربيع سليمان بن سالم الكلاعي- الذي استشهد سنة (٦٣٤ هـ) - وكل هؤلاء