للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم لاحظ حبّهم لبعض، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض هدية المشرك وكيف رفض حلفا مع من يريد أن يسلم لمصلحة، معتمدا- في ذلك كلّه- على الله تعالى، رافضا كل تهديد، ومتأكّدا من نصر الله لأهل دعوته الذين يخلصون له، متوجّهين إليه وحده، ولا يخافون لومة لائم. أليس في ذلك عبرة ودرس وتذكرة؟

وكم من أطفال الصحابة- دون الخامسة عشرة- تقدّم للمعارك، ولما ردّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم- لصغر سنّهم- بكوا، يريدون الموت في سبيل الله «١» . وقل مثل ذلك في النساء والشيوخ «٢» .

وهكذا كان كلّ الجيل المثالي الفريد، جيل الصحابة الكريم الذين رباهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده، ونشّأهم على مائدة القرآن، بالوحي الرباني، قرآنا وسنّة وسيرة، فكانوا الجيل القدوة حتى لا يكون الأمر متمثّلا في أفراد متناثرين، هنا وهناك. فهم جيل كلهم كذلك، وليس فيهم غيرهم «٣» . ففي صلح الحديبية (السنة السادسة للهجرة) بايع جميع الصحابة- وعددهم ألف وخمسمئة- رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الموت وعلى ألا يفرّوا «٤» ، مع أنّهم لم يأتوا مستعدّين للحرب، لا نفسيا ولا حربيا.

[* أسلوب هذه الدراسة:]

وبمثل هذا الأسلوب في العرض والدراسة- من شرح مقترن بالأمثلة الحية- تمرّ أمامك أحداث السيرة الشريفة بقوتها وحقيقتها ووضوحها، حتى لكأنك تراها ماثلة أمامك، رأي عين مثولا، تقرأ معانيها، سلوكا واضحا


(١) السيرة النبوية، ابن هشام (٣/ ٦٦) .
(٢) السيرة النبوية، ابن هشام (٣/ ٩٠، ٩٧- ٩٩) .
(٣) راجع: التاريخ الأندلسي (١٢١- ١٢٢) .
(٤) البخاري: كتاب الجهاد، باب البيعة في الحرب ألا يفروا وقال بعضهم على الموت، رقم (٢٧٩٨، ٢٨٠٠) . وكتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية، رقم (٣٩٣٦) .

<<  <   >  >>