هذه الصولة إلى ميادين الحياة وإقامة أي مجال لمثل تلك الجولة، فيغلقون عليه الطرق ويسدون الأبواب، يمارسون كل سبيل مهما كان، لا يرعون في ذلك قانونا ولا يعرفون إلّا ولا يحفظون ذمة. فليعرف أهل هذا الدين وحماته وجنده ماذا يفعلون ومتى يصنعون وكيف يسلكون.
[* السيرة والتابعون وتابعوهم:]
فكان توريث السيرة جزآ من هذه الوراثة الفاضلة التي لم يتعلق بغيرها، وأنفقوا أعمارهم وبهاءهم وذكاءهم، واعتصروا طاقاتهم لأجلها، جهادا من أنواع الجهاد.
كذلك حافظت الأجيال التالية على هذا الأمر، وحرصت عليه، ورغبت في إتمام ما يمكن أن ينقصها فوت الصحبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم. فاجتمعت لديها الشمول في المعلومات والأخبار والأقوال والسلوك والشمائل من منابعها، صبّت في نهر السيرة، بفضل كافة أولئك الذين أنفقوا كل شيء من أجل جمع معلوماتها والتحقق منها وإسناد أخبارها وأقوالها. وابتدعوا لذلك علوما وأفانين، اعتبرت الأمة الإسلامية بها رائدة.
لقد كان اهتمام الصحابة بالسيرة الشريفة المطهرة عجيبا وعظيما ومتزايدا. ولم يكن هؤلاء التابعون وتابعوهم بكل أجيالهم وحتى اليوم والحمد لله، وسيبقى كذلك دائما وأبدا، بفضل الله تعالى- بعيدا أو أقل من اهتمام الصحابة الكرام بهذا الأمر ولا أدنى محبة للسنة المطهرة والسيرة الشريفة وتعلقا بها وسعيا لمعرفتها وجهدا لتدوينها وهمة للمحافظة عليها- كتابة ودراسة وتدريسا- وبذلا للسير وراء مادتها. مثلما كان الصحابة يحرصون على ذلك في حياة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم صحبة ونقلا وتناقلا، أو بعد وفاته تثبيتا وتأكيدا وتحققا. ولأن الصحابة عاشوها وكان مصدرهم لمعرفتها تلك الصحبة، وغدوا هم مصدرها للأجيال والتاريخ. والقرآن الكريم طبعا هو المنبع، جرى نهره الزلال الصافي الأصيل إلى النفوس، برعاية السنة