يرث الله الأرض ومن عليها، هي وحدها سفينة النجاة وموئل الحياة وجمال الحقيقة، هداية وسيادة وسعادة، ولا بديل في كل حال ومال. وفي هذا يقول ابن حزم الأندلسي:(من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل (وليعتمد) أخلاقه وسيره ما أمكنه) «١» .
والإسلام في ذاته- قرآنا وسنّة وسيرة- ملئ بالمعجزات الواضحات المتنوعات، في كل أمر وقضية وحدث، بل هو نفسه يصنع المعجزات، ويضع الإنسان في أماكن فريدة ويحقق كل جديد، لا يخطر على بال أحد بحال، بله أن يعرفه أو يحققه، وصولا إلى موقع فيه أو جلوسا لدى ملتقياته، فضلا عن تواجده عند مرتقى من مرتقياته، أو وقوفا قرب أيّة قمّة من قممه، أو اعتلاء شامخاتها.
* تحقّق الإسلام بالسيرة:
فالسيرة النبوية الشريفة، شرح عملي عميق في واقع الحياة، وتصوير للقرآن الكريم والإسلام كله، في ميادينها كافة، وإمحاض مخلص وأصيل وتطبيقي وحقيقي وصادق وناطق، أكيد وسديد وجديد؛ لمضامين هذا الشرع الحنيف، بقرآنه الكريم- كما أنزله الله سبحانه وتعالى وأراده- وبسنّته الصحيحة المطهرة.
وكان من لطف الله تعالى أن الذي أراده الله من هذا الدّين، أسلوبا ووضوحا وثبوتا وشمولا وسعة وامتدادا، كله قد تم وقام في الحياة عمليا وقويا ومهيبا في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم، كيلا يفتقد أيّ أحد القدوة والمثل
(١) الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ابن حزم (٢٤) . كذلك له: جوامع السيرة (٦) (المقدمة) (٧- ١٤، ٤٠- ٤٤) .