* معرفة دلائل السيرة المتفردة من خلال تفوّقها ومعالمها:
كلّ ذلك رسمت السيرة معالمه واضحة، ماثلة للإنسان النبي الرسول صلّى الله عليه وسلم ليكون قدوة تقتفى في كل جوانبها، باطنها وظاهرها، وكل أفعالها وأقوالها وأمثالها وتقريراتها ومواقعها ومواقفها، وكل أطوار الدّعوة وأحوالها، والدولة ومسؤولياتها والتزاما لها ومواجهاتها ومتطلباتها. وكان ذلك توجيها من الله تعالى ووحيا وأمرا، يجعله وسيرته صلّى الله عليه وسلم وكل حياته، أسوة حسنة، وقدوة كريمة. مثلما كان القرآن الكريم والسنّة المطهرة تعليمات وتشريعا وأوامر، أنزلها الله، وأرادها أن تكون مثالا وملجأ وصيغا عملية يتبعها الناس، ويقتدون بها، إيمانا وقربى لله سبحانه وتعالى.
يقول ابن حزم الأندلسي (٤٥٦ هـ) : (إنّ سيرة محمد صلّى الله عليه وسلم لمن تدبّرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم حقّا، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلّى الله عليه وسلم لكفى)«١» .
والسّيرة النّبوية- في ذاتها- واحدة من مجموعة أدلّة على نبوّته صلّى الله عليه وسلم. ولا يرتقي أحد إلى شيء من هذه الآفاق إلّا بالاقتداء بها، سواء من ناحية معرفتها، أو الأخذ بها، والعمل بمقتضياتها. وهو أمر لا يكون البتة للوصول الى بعض هذا المستوى، والارتقاء بالمعرفة، وتوفّر هذه الصّياغات- إلا باتّباع هذه الشّريعة التي أرسله الله سبحانه وتعالى بها.
والحياة كلها- بكلّ خبراتها وأفكارها وخلقياتها، ماضيا وحاضرا ومستقبلا- على ذلك دليل من الأدلة.
إنّ الاقتداء بالرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم واتّباع سيرته الشّريفة الفاضلة الكاملة، التي جعلها الله سبحانه وتعالى نموذجا عاليا كاملا وشاملا لشرعه البارّ الكريم المنير، على مدار التاريخ، وتتابع الأعوام، وتعاقب الأجيال، حتى
(١) الفصل في الملل والنحل، ابن حزم (٢/ ٩٠) . كذلك له: جوامع السيرة (٦) (المقدمة) .