ما استعمله، رغم إمكانياته ومعاونيه من الخونة العاقّين، على مختلف الأصعدة (الصّعد) والميادين. ورغم ذلك، فالإسلام يتقدّم، وتتّسع مروجه، وتغلب أطايبه، وتسمو راياته الخفاقة عالية.
[* عجائب هذا التاريخ:]
وهذا تكرار لظاهرة فريدة، جرت ومرّت في التاريخ الإسلامي، عرفها وألفها، فالتتار والمغول الذين حملوه، وأقاموا دولته، أتوا إلى دياره غزاة، ويومها أفنوا وقضوا على كلّ ما واجهوه، بوحشية وتدمير.
وهذه خصيصة في الإسلام قائمة ومكينة، عرفناها في التاريخ الإسلامي تكرارا، وهي دوما لا تريم ولا تغور، والإسلام هو البداية والنهاية، وهو أولا وآخرا، وهكذا بوضوح تامّ.
وهذا أمر متميّز في الإسلام: تحوّل أشدّ الأعداء إلى خير الأبناء «١» ،
(١) يقول الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم: «تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا؛ وتجدون خير الناس في هذا الشأن (الأمر) أشدّهم له كراهية (حتى يقع فيه) ؛ وتجدون شرّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه» . رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عدا ما بين الأقواس فهي من مسلم. البخاري، رقم (٣٣٠٤- ٣٣٠٥/ ٣) . ومسلم، رقم (٢٥٢٦/ ٤) . المعنى: أي أن الناس مثل المعادن، تجد فيها النفيس كما تجد فيها الخسيس. والإسلام ينظفه ويشرفه ويزيده. هذا الشأن الأمر، قيل: الإمارة والإدارة. وممكن وهذا مهمّ جدا- أن يعني: الإسلام. فالذين حاربوا (ويحاربون) دعوته أولا، (بعضهم أو كلهم إذا عقلوا وقبلوا وأقبلوا) كانوا (ويكونون) فيما بعد من أشد أبنائه فداء وتضحية وجهادا، من أمثال: عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والأصيرم، ومخيريق، وثمامة بن أثال، وغيرهم كثير، وأمثال مسلمة الفتح، ومن قبلهم، ومن بعدهم كثير جدا، مثل: أبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وفضالة بن عمير بن الملوح الليثي؛ الذي أراد قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فما أن مسح صلّى الله عليه وسلّم صدره حتى كان أحبّ شيء، وأحبّ كل خلق الله إليه. ولما عاد إلى أهله مرّ