للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالثة- أو الرابعة- للهجرة، أعدمته رميا بالنبال جنبا. ولما قدّموه إلى القتل، صلّى ركعتين، فكان أول من صلاهما في هذا الموقف، ولما رفعوه على الخشب سألوه إن كان يرضى أن يطلق سراحه مقابل وضع الرسول صلّى الله عليه وسلم مكانه فقال: (والله ما أرضى أن أكون عند أهلي ومحمد صلّى الله عليه وسلّم يشاك بشوكة في قدمه) «١» . فعجبت قريش من ذلك، وقال قائلهم: ما رأينا أحدا يحبّ صاحبه كما يحب هؤلاء محمدا.

ألم يتربّى خبيب في مدرسة النبوة، يتغذى بايات الله تملأ قلبه، وهو يسمعها بصوت النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسمعه وهو يردد: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما» «٢» . ولما رفعوه على الخشبة كان يقول: (اللهم إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا) «٣» . ثم ردّد أبياتا من الشعر، بينما النبال تمزّق جسمه:

فلست بمبد للعدو تخشّعا ... ولا جزعا إني الى الله مرجعي

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع

[* فطنة المسلم وتضحيته:]

فلا تركن لذلك أو تستمرئه، وإن قصرت لفترة، فهي تعرف طريق التوبة سراعا، بل إنها تجاهد في الله لا تنثني ولا تنحني ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ


بالتنعيم) . سير أعلام النبلاء (١/ ٢٤٦) (وانظر الهامش عنده) . كذلك طبقات ابن سعد (٢/ ٥٥- ٥٦) ، مغازي الواقدي (١/ ٣٥٤) ، سيرة ابن كثير، (٣/ ١٢٣- ١٣٤) . وغيرهم كثير.
(١) سيرة ابن هشام (٣/ ١٧٢) . حياة الصحابة (١/ ٥٢٣- ٥٢٤) .
(٢) رواه الإمام أحمد (٣/ ٢٠٧، ٢٧٨) .
(٣) سيرة ابن هشام (٣/ ١٧٣) . سير أعلام النبلاء (١/ ٢٤٨) . سيرة ابن كثير (٣/ ١٣٠) .

<<  <   >  >>