للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتشر فيها الإسلام، حتى لم يخل دار من قائل لا إله إلا الله محمد رسول الله «١» ، مستعدّين للفداء، حتى ولو كانوا مقاطع في ذلك البناء، أولئك الذين أحبّوه على البعد قبل الرؤية، مثلما أحببناه في غير رؤية في هذه الحياة إلا رؤية الصورة الواضحة في السلوك والسيرة، وفي القدوة والعشيرة، رؤية العاشق الولهان، فهو حيّ في النفوس والقلوب، راجين أن يجمعنا الله به يوم الدينونة عند الله الواحد الديان «٢» .

* لقاء الهجرة والنّصرة:

كان أولئك في المدينة- قادمين ومقيمين أو مهاجرين وأنصار- أمضّهم الشوق، وحرّقهم العشق، يرنون إلى الأفق كل يوم؛ لتكتحل العيون برؤية الحبيب، فما أن رأته من بعيد حتى هتفت بنشيد الحبّ الوفي الأصيل ...

كان يوما للمسلمين مشهودا، أفضل يوم فرح رأته، إنه يوم رؤية الحبيب «٣» ، مقترنا- لأول مرة- ومعلنا إقامة بناء المجتمع المسلم، يحكمه شرع الله في كل أمره، ويتوجّه إلى الله في كافة شؤونه ... وأقام دولة الإسلام التي نبذت حكم الجاهلية، وحكمت بالشريعة الربانية أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: ٥٠] .

إنها بداية جديدة لجهاد مضن طويل، تحمّلوا فيه التضحيات لنشر الإسلام والدعوة إلى الله، وبنفس نوع البناء وبكل ألوان الفداء، وهكذا المسلم يعيش في فداء وبناء، يقوم كله على بناء النفس المسلمة بدعوة الله، متجها إلى رب السماء، يحكم نفسه بشرعه، لا يرضى بذلك بديلا، ولا عنه تحويلا، حتى يظهر أمر الله، أو يهلك دونه، وهذا هو العهد الدائم


(١) سيرة ابن هشام (١/ ٤٣٧، ٥٠٠) .
(٢) انظر: البخاري: كتاب: فضائل الصحابة، باب: مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، رقم (٣٧٠٩- ٣٧١٠) .
(٣) انظر: السيرة النبوية، الندوي (١٦٨- ١٧٠) .

<<  <   >  >>