للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[* المؤمنون والمعاندون وغيرهم:]

إنه حين تقوم العقيدة بالله تعالى مستوية، وتستيقن وتستعلن حقيقة الإيمان الحق بدعوة الله تعالى غائرة في النفس، لا بد أن تستعلي على كل قوة في الأرض وتستهين بكل بأس، مهما تجبر وتنمر وتبختر واحتمى ببيوت العنكبوت وتترس بخيوطها، حماية له ووقاية لمن معه أمام قدرة الله تعالى وناموسه. علما أن الباطل- وذلك دينه وشنشنته- حين يداري أتباعه، فإنه لا يفعل ذلك محبة لهم أو اهتماما بهم أو رعاية لصلة معهم، بل هم أرخص ما يكونون عنده وأدنى من آخرين، بل كل الآخرين لديه أقل مما يتصورن.

إنما فقط ليقفوا معه معاونين له على باطله وليستعملهم، مواجهة للحق الإلهي، تحقيقا لماربه واستمرارا في سلطانه وتثبيتا لحكمه. ولذلك إذا لم يؤدوا هذا له، تراه- وقد رأيته في فرعون- هو نفسه ينقلب عليهم أو يقلب لهم ظهر المجن- كما يقولون- وينيلهم أقسى أفانين العذاب وأشد ألوان التنكيل وأبعد مدى في الانتقام، حتى لكأنه يقول لهم: لم إذا قربتكم وقدمت لكم وأعطيتكم، فترقيتم وأثريتم وتنعمتم، وكل ذلك من يدي، واليوم تنكرونها. فكيف إذا وقد جاوزوا ذلك وأصبحوا في جبهة الحق الذي يحاربه. وتلمّس ذلك بوضوح باهر، فيما أوقعه فرعون بالسحرة الذين آمنوا، من التقتيل والتنكيل والانتقام الفظيع المريع السريع.

والواضح من طريقة القرآن الكريم المعجزة في التعبير والتصوير للمعاني أن فرعون نفّذ تهديده فيهم وقتلهم جميعا، مثلما فعلوا- وبنفس أسلوب التعبير والتصوير للقرآن المعجز- بمؤمن آل فرعون. لكنهم- وكل المؤمنين بدعوة الله تعالى ورسالته- ثبتوا أقوياء وقاموا بسلاء ورضوا أولياء- إن شاء الله تعالى- خلال المواجهة والأذى.

وهذا ما يجري وجرى لمن رفعه اليقين بهذا الدين إلى أن يكون من أتباع الأنبياء- عليهم السلام- الذين لا يعرفون الخنوع ولا الخضوع. كيف وقد امتلأت قلوبهم بالإيمان بالله وحده وأنست بمعرفته واطمأنت إلى جواره.

<<  <   >  >>