فضيلة الأهلية لذلك، فسمّوا أنفسهم الحمس «١» - أن يتبصّروا في حكمتها، ويدركوا أبعادها، بأي مقدار، ففيها التنبيه الذي يجعلهم- لو عقلوه- أقرب إلى دين الله الواحد، وأسهل في التخلي عن تلك الأصنام، وأقبل وأميل إلى الخروج من حياة الجاهلية للدخول في دين الله، وليكونوا في إحساس من نعمة الله عليهم، تجعلهم أسرع استجابة إلى الله سبحانه وتعالى، وما أنزل جلّت قدرته من دين، وأرسل من رسول صلّى الله عليه وسلم، لا أن يواجهوه ويكونوا من ألدّ أعدائه، فلا أقلّ من أن يدعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويخلّوا بينه وبين الناس.
[* تفكر وتفكر:]
ولكن للأسف لقد كان الأمر على غير هذا السبيل؛ الذي كان التفكير فيه أن يكون أصيلا بعيدا عن التنكّر، وبذلك الشكل العنيد.
وحين قام فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوهم بكتاب الله سبحانه وتعالى، وكان فيهم معروفا وبينهم موصوفا، تنكروا له، وحاربوه وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن: ١٩] .
فكانت لهم- ولكل أحد بعدهم- عبرة، من أن أيّ قوم، وأهل أيّ دين، إذا تنكروا وتمردوا وجهلوا وضلوا ورفضوا أو أعرضوا عن نصرته أو حاربوه، فإن الله ناصره، يهيّئ من ينصره أو ما ينصره.
وإن إقرارهم- بأيّ مقدار- بأحقيقته وواقعيته وتخلّفهم عن نصرته، لن ولا ولم تغن عنهم من الله شيئا، وقد تضعهم في صفّ أعداء الله، فليس في دين الله أنصاف، ولا في حياة المسلم مساومة ولا متاركة ولا إجازة، وإننا
(١) «الحمس» : جمع أحمس، وهو الصّلب المتشدّد في الدين والقتال. وهو لقب أطلقته قريش في الجاهلية على نفسها، وانضمت فيه إليهم قبائل أخرى؛ لزعمهم أنهم أهل الحرم، فخصّوا أنفسهم بشعائر ومشاعر، أخذا وتركا أو حلّا وحرمة. فأباحوا لأنفسهم- ومن التحق بهم- ترك الوقوف في عرفة والإفاضة فيها. راجع السيرة النبوية، ابن هشام (١/ ١٩٩) وبعدها. أدناه، ص ٣٩٠.