للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنّ الذين أقاموا الحياة الإسلامية، أولئك الذين هاجروا إلى الله هجرة كاملة، هاجرت نفوسهم التي خلّصوها من درن الدنيا، فافتدوا شرع الله بكل شيء، وجاهدوا عمرهم له محتسبين ... تربعوا أمام القرآن مأدبة الله الإلهية، ويقودهم حادي الإنسانية، وهاديها محمد صلّى الله عليه وسلم، ويعلمون أنّ الضّياع لمن ارتضى غير كتاب الله منهجا ودستورا وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زعيما:

نبيا ورسولا، وهو كذلك.

[* الإسلام هجرة وبيعة:]

لقد كانت الهجرة بيعة، تجاوزت حد الانتماء الاسمي أو الأرضي، وإن قصة مهاجر أم قيس غير مجهولة «١» . بل حتى التعبد في الصلاة، مع ترك ما عداه يجعل ذلك حجّة على صاحبه ومسؤولا، فلا ينفع المسلم أن يؤدّي صومه وصلاته، ويفي حجّه وزكاته، وليس بعد ذلك من شيء، بل إنّ ثمار ذلك أشياء تجعله أكثر قربا إلى الله، وهجرا لما عداه.

ومن لم يهجر مبادئ الأرض، ويرفض كلّ غير شرع الله لا يمكن أن يهاجر إليه، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من لم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية» «٢» .

فلا يمكن أن تكون الهجرة إلى الله، وصاحبها مثقل بالعصيان، ومؤتزر


(١) سبق ذكره. وهي أن رجلا خطب امرأة اسمها: أم قيس، فرفضته حتى يهاجر، ففعل. فتزوجها فسمّي: مهاجر أم قيس. والحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم: «إنما الأعمال بالنيات ... » الذي مر ذكره أعلاه، يبين هذا وأمثاله. وإن الله تعالى يقبل من الأعمال ما كانت النية فيه خالصة له، ليكون العمل، ويقبل ويؤجر صاحبه، وإلا فلا أجر عند الله له به أبدا. انظر: أعلاه، ص ٣١٤.
(٢) أو هذا معناه. نقلته من مصدر لم أجده. لكن أمثاله عدد من الأحاديث. انظر: مسلم، رقم (١٩١٠) . زاد المعاد (٣/ ١١، ٨٦- ٨٧) . رياض الصالحين (٥١٢) ، رقم (١٣٤١) .

<<  <   >  >>