الواعية الشمول، والذهاب إلى أبعد حد فيه وأجمل أخذ له. بل قد يسري هذا فيما لم يرد فيه أمر، حين يعرفون أنه لخدمة هذا الدين وتقربا إلى الله رب العالمين سبحانه وتعالى. فهم يسارعون إليه بأعلى مقدار من الاستجابة، لا تخلو من ذهاب إلى أبعد مدى يجاوز المطلوب، ولكنه يتمشى مع الروحية الجميلة الأمينة النزيهة لبناء النفس المسلمة، الذي أقامه هذا الدين، بعد أبعاده وأمدائه ومشمولاته المتلقاة جميعا.
[* قصة تحريم الخمر:]
كل ذلك يتبين في المثال التالي الذي جرى في حياتهم، وفي قضية كانت قبل الإسلام راسخة بتقاليدها الجاهلية وعاداتها المتأصلة القديمة الموروثة، مما يعتبر مسلكا عاما شاملا ومحمودا في مألوفات جاهليتهم ومن مفاخرها.
وما كان لهم القيام بالإقلاع عنه- وبهذا النوع العجيب- لولا هذا الدين. ذلك هو قصة تحريم الخمر وكيفية استجابة الصحابة الكرام له ونوعيتها، وذلك في أواخر السنة الثالثة للهجرة وبعد معركة أحد، التي جرت في منتصف شوال منها.
لقد كان تعاملهم مع الخمر واستعمالهم له وتناولهم إياه مسألة عامة يمارسها الجميع بشكل يفوق ممارسة العالم المتحضر اليوم له، شرقا وغربا. والذي للأسف قد سرت عدواه وتسربت إلى بلداننا الإسلامية، وبشكل مرعب ومخيف ومحزن، فنسأل الله العافية.
ويبدو أن شيوع استعمال الخمر- وغيرها من المنكرات، القديمة والجديدة سواء- سمة بارزة، وظاهرة مميزة، ومعلم لازم لكل جاهلية وعلى مدار التاريخ، قديمه وحديثه ومعاصره. وكل هذه الجاهليات تمارسه وهي في أوج جاهليتها، كالمجتمع الروماني والفارسي والجاهلية العربية والجاهلية العلمية المعاصرة.
وللمقارنة العابرة في موضوع الخمر في العصر الحاضر، وبعد أن تبين