وإن إعجابنا بذلك الجيل الفريد الجديد السعيد، في الفتوحات المعروفة- مثلا- المؤهّلة لهذا، حق وواجب وطبيعي، ولكن فتوحاتهم متوالية متتابعة متصاحبة، في كافة ميادين الحياة، ثمرة هذا الغرس الإيماني والمنهج الإلهي والتربية الربانية، الذي يؤتي أكله كل حين بإذن الله ربه سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم: ٢٤- ٢٥] . وهذا يتم في كل وقت يؤخذ به شرع ومنهج الله تعالى، كما أخذه الصحابة الكرام، ليتكرر في كل جيل ومع أي أحد في كل زمان ومكان وإنسان.
تلك النماذج والنوعية والمثالية كانت بهذا الدين، وتكون متكررة حين الأخذ به، حيث إن الإسلام جاء لأهل الأرض، بشمولها وشمول حياتهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن بشرعه نصا ومعنى وتطبيقا كاملا. كما تم في ذلك الجيل الكريم جيل الصحابة الحبيب، الذي حاز الخيرية الشاملة، لهم ولكل من يماثلهم في أي جيل من أي الأمم والشعوب.
فكان تلقيهم الأوامر الشرعية- وفي أشق الأمور- تلقيا متعاليا متواليا ومتعانقا، مع كل ما يرضي الله تعالى وبينه لهم رسوله صلّى الله عليه وسلم. وما كان ذلك ليحدث لولا البناء بهذا الدين وعلى قواعده المتينة المتفردة المتجددة، لكل طاقة ومولّدة لها. وحتى لو عرفوه أو بعضه- وهو لا يكون- ما كان ليحدث ولو جزء منه بحال، إلا بهذا الدين.
ومع ذلك فالعجب فوق هذا العجب كله، أن تكون الاستجابة جماعية لا نعرف فيها شذوذا لأحد. وكان كل أحد منهم رقيبا. ليس فقط على نفسه، ولكن كذلك على أهله ومجتمعه وكل من حوله، وبافاق لا مثيل لها، بل لا يعرفها أحد ولا يفتكر فيها أو يتخيلها، فضلا عن أن تكون صورا في الحياة ماثلة قائمة راسخة. بل إنه مهما كان تعلقهم بالأمر فإن استجابتهم للقيام به تتسم بلهفة التنفيذ والحرص عليه والسرعة في الاستجابة المتابعة