ومن هنا فإن الحياة الإسلامية، لا سيما مجتمع الصحابة الكرام، ملئ بالعزائم الغالية، موار بالعظمات العاليات. دعائمه ذلك البناء الرصين، قام على شرع الله المبين، قدوتهم ومربيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي اختاره الله تعالى لتولي هذه المهمة، أدّبه ورباه وأعدّه، فهو يعلمه ويوحي إليه ويوجهه «١» .
وحتى وقت الشدائد والمازق، قلّ جدا وندر- حتى بعد عهد الصحابة الكرام- من أخذ منهم بالرخصة. فكلهم كانوا يأخذون بالعزيمة- رغم وجود الرخصة- وذلك من شدة حبهم لله تعالى ولرسوله الكريم صلّى الله عليه وسلم، ذلك الحب الرائق المترقرق والاقتناع البليغ المتدفق والحيوية الفعالة، في ذلك الحب الذي أخذ بهم إلى تلك الآفاق وأجلسهم أو أوقفهم على تلك القمم. وهم يسعون للارتقاء في مسعاهم طبيعة، لرضا الله تعالى والقرب منه، وهم طليعة البشرية ورواد الحياة السعيدة الفريدة، مقتدين بالرسول الكريم ومهتدين بهديه صلّى الله عليه وسلم.
وقد فهموا معنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن
(١) هذه هي مباني الإسلام الفذة الرائعة في تلك الأحوال والظروف، وفي كل الظروف. وهكذا فالإسلام لا يعبر عن مستواه قياسا إلى غيره بل مستواه المتميز واضح وملحوظ، أمام كل أحد وفي كل العصور والأمكنة ولا يقاس بما حوله ولا يعتمد تقدمه على أي ظروف، لكن لا بد من شروط في أتباعه ليقيموا الحياة الإسلامية فيأتي بالعجائب في أي ظروف مهما تملك أهل العصر والمصر. ويوم انطلق المسلمون بهذا الدين ينشرونه انطلقوا وهم لا يملكون مما عند الآخرين من تقدم مدني أو علمي، وفي ذلك عبرة وحكمة أرادها الله تعالى، للبشرية جمعاء. وهكذا فالإسلام عظيم ودوما هو الموئل والمنهج والطريق للإنسانية، لإقامة حياتها الفاضلة وحضارتها الإنسانية، على غير مثال ونسق. فإنه دين الله الذي ارتضاه للعالمين حتى يوم الدين. ولا يقبل من أحد غيره. فلا يلحقه أحد أو منهج. وهو مستقل وثابت وسامق، في كل وقت، وينشئ الحياة الفاضلة الكريمة، ابتداء وانفرادا وتميّزا.