فارتفعت به هامات، كانت متهطّلة في الجحور، بعين الشّقوة والخمور، متدلية بين الأوثان، فغدت بالله عزيزة، فما عادت تنحني لغيره، وتساوت في ظل الإسلام الرؤوس، كانت متعالية فارغة أو متسافلة متمرغة، فما رضيت الخضوع لغير شرع الله، وتحررت من كل أثقال الأرض، لتطير إلى عليين، في هذه الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غافر: ٥١] .
وتحطمت الطواغيت والأوثان، ومن كل الألوان، فأشرقت الأرض بنور الله رب العالمين. فكل ما عداه باطل، ومهلك مضلّ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: ١١٥] .
إنه لفريد وعجيب ومدهش ذلك الجيل؛ الذي تربى على مائدة القرآن، ونهل من فيضه، وأترع من نهره، بيدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتربيته وأسوته، فارتدى ذلك، واكتساه، واحتذاه.
وعلى دربهم سارت ما تلاه من أجيال، وحتى اليوم والمستقبل على الدوام إن شاء الله تعالى، تربّت على الدعوة الإسلامية، وتعلمت أنّ الإسلام بيعة. ومنذ قبله، ودخل دائرته، وحمله باع نفسه لله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: ١١١] ، كل بمقدار إقباله وإخلاصه وتضحيته والتزامه وإقدامه.
وبهذا يقام مجتمع الإسلام، يسير على ذلك المنهج الكريم الذي عليه ربّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، بما أوحى الله له وعلّمه، قرآنا وسنّة وسيرة.
يقبلون عليه لا يتخلفون، ويفرحون بما يقدّمون، يسترخصون من أجله كل ما يملكون.